نصائح مقترحة من التجربة
1. تقويم النية وتصحيح القصد ، فلا ينبغي أن يكون الهدف القدرة على المنافحة والتفوق عند الدخول في حوار أو الغلبة عند الخوض في جدل ؛ فقد نهانا المصطفى – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك : «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ» .
2. بل ليكن السعي وراء العلم النافع ، فهنالك ما يمكن أن يسمى "علما" نعم ، لكنه لا ينفع ، والجهل به لا يضر ، وذلك النوع الذي استعاذ منه المصطفى عليه الصلاة والسلام .
3. وتحديد العلم النافع يبدأ من تحديد "الحاجة" إلى الكتاب\المعرفة التي بين يديك . فالمرء لا ينسى ما يحتاج ، ولا ينسى ما يسعى منتبها واعيا لتحصيله ، لذلك من الأهمية بمكان قبل أي كتاب تقرؤه أن تصوغ أسئلة يهمك أن تخرج بإجاباتها من الكتاب ، أو تصوغ أسئلة مبنية على توقعاتك من الكتاب ، بذلك تبرمج عقلك تلقائيا ليتحفز للتلقي ، وحين يجد ضالته أن يحتفظ بها . أما قراءة الترف الفكري فهي كالأكل الزائد ، تُتخِم عقل صاحبها ، وتوهمه بتضخم فكري زائف ، في حين لا تلبث أن تطويها مدارج النسيان .
4. لننتوِ بما نتعلم أن نتزكى ونستفيد ونتفتح لذواتنا قبل الآخرين ، لأن التزكية قبل التربية ، فليس المطلوب أن تكون شمعة تحترق لتضيء للآخرين ، بل أن تكون سراجا منيرا ، ينير في نفسه وينير للآخرين . حين تغمرك أنوار العلم الصحيح النافع ، ستشرق هي من تلقاء نفسها ، وسيفوح عبيرها بغير تكلف ، لأن كل إناء بما فيه ينضح .
5. كذلك من وسائل الانتفاع بما تقرأ ، وهو أهم كثيرا من تضخّم كمّ القراءات ، أن يكون هنالك دفتر \ مفكرة : إما لكل نوع من القراءات (أدب ، علوم ، دين ..) ؛ أو شاملة منوعة كيفما تحب ، تلخص فيها أهم النقاط التي نفعتك ، وتجمع أبرز المقولات التي أعجبتك ، ويا حبذا لو تتبع ذلك بحفظها تباعا ، للعمل بها قبل الاستشهاد ، وإلا نكون ممن يقولون ما لا يفعلون ، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .
قد يتبادر للذهن سؤال مما سبق : هل توحي السطور بأن قراءات المرء إذن ينبغي أن تكون كلها سامية راقية نبيلة نافعة؟ فماذا عن المواد الخفيفة – تأدبا في اللفظ - أو ما تتداوله المطابع اليوم مما خف ثمنه وغلا سعره؟ ألا يَحسُن بالقارئ أن يكون واسع الأفق ، مطلعا ومُلِما لمدارك أرحَب؟
اعتقادي في هذا الأمر ما هداني إليه الله تعالى - والاعتقاد لا يلزِم سوى صاحبه وإنما أشاركه للنفع لمن أحب - ما يلي :
1. بالنسبة للمبتدئ : فإن كان طالبا للنفع الذاتي والتزكية الشخصية بالمعايير السابقة ، فالنصيحة ألا يشغل رأسه ولا يضيع وقته في خلاف ما ينفعه ويفيده ، وذلك لأنه في مرحلة بناء الأساس الذي عليه يبني حصيلته الثقافية لاحقا . ومعلوم أن الأساس الذي ينخره السوس آيل للسقوط لا يستقيم عليه بناء مهما ترمم ، فكان المنطق أن يبدأ أساسا راسخا وقد تشبع بالنافع المفيد ، لأنه في ذات الوقت في مرحلة تشرّب وتأثر لم يبلغ درجة النقد والتمييز والتفضيل . ومن كان طالبا لغير ذلك ، كأن يسعى وراء آخر الصيحات وأحدت الموجات ، فليفعل ما شاء وهو وما يطلب .. "فهجرته إلى ما هاجر إليه" .
2. بالنسبة لمن قطع شوطا في القراءة ، وتكوّنت لديه ملكة الحكم والنقد ، وتجاوز مرحلة التشرب والتلقي أحادي الجانب ، فهذا له أن يوسّع القاعدة لتشمل التوافه والسفاسف وكل ما تبعها في أذيالها ، في حال كان هنالك ما يُلزِمه بذلك : كأن يكون مجال تخصصه النقد أو يحتاج للمقارنة بين نوعين .. إلخ . وقد قيل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، "هذا رجل لا يعرف الشر" ، قال : "فذلك أحرى أن يقع فيه" ، فالمرء ليس فقط عدو ما يجهل بل قد يقع فريسة له وهو لا يدري ولا ينتبه . وإذا كان من تعلّم لغة قوم أَمِنَ شرّهم ، كذلك من اطلع أو ألمّ بشيء من تلك الأصناف الأخرى كان أقدر على الحكم عن بيّنة ، والتيقن على بصيرة . وذلك المنهج الذي اتبعته في سلسلة الكتابة عن الأدب بعنوان "الأدب أدب" .
3. إن لم يكن هنالك ما يدعوك لهذا ، فالنصيحة الذهبية لعمر قصير مهما طال ، وأوقات قليلة للفراغ مهما اتسعت ، هي نصيحة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" . فدع عنك القوالب الجاهزة من مجتمع تشدّه صيحة وتغيّبه موضة ، من قبيل "لابد أن تعرف" ، و"يجب أن تعلم" .. إلخ ، فلا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى على عباده . ما عَدَى ذلك هي التزامات شخصية ، حسب قدرة المرء واستطاعته ، وما أوقفه الله فيه ، وهذا كله في جملة ما يسأل عنه ويحاسب عليه ، يوم لا يكون للإنسان إلا ما سعى .
4. وكما أنه ليس كل علم نافع ، فليست كل قراءة تثقيف ، وإننا لا نسأل عن أعمارنا "لماذا" لم نقرأ فيها لفلان أو فلان ، بل "ماذا" قرأنا ، وفيم أفدنا بما قرأنا : "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , وعن شبابه فيما أبلاه , وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل فيه" . فالخسران الحقيقي هو عدم تحضير إجابات لتلك الأسئلة ، لأن صاحبها كان منكفئا على جمع التواقيع ونقاش الترهات وجدال العبث . وتحضير الإجابات يكون بالعمل لا بالتنظير .
5. فمن أين يتسع الوقت لكل شيء؟ وأنّى يتساوى الغث والسمين؟ وعجبا لزمن صار لزاما فيه التعامل مع الشجر المجتث من الأرض ، بعد أن كنا في أزمان نتاسبق على زرع تلك التي أصلها ثابت وفرعها في السماء .. عجبا لمن يرضى أن يكون كنافخ الكير وفي حامل المسك غَناء ، وعجبا لمن يدّعي نبل الغاية ثم يسلك لها الوسائل الدنية ، وكيف لمُجتاز الشط عبر الوحل ألا تتسخ رجلاه؟!!
===========
في كتابه الرائع : "الوصايا العشر لمن يريد أن يحيا" ، يقول المؤلف خالد محمد خالد :
"هل تعرف أول كلمة تلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه؟ (اقرأ)!!والحق أنه وراء كل عظيم حشد كبير من الكتب ، التي قرأها وأعمل فيها فكرة الوثيق . وحين تتبع سير عظماء البشرية ؛ تجد الشغف بالقراءة كان السمة المميزة لطفولتهم ، ونشأتهم اﻷولى . إنك - بوصفك إنسانا - مطالب بأن تقرأ كثيرا ، وتفكرا كثيرا.. لهذا ، أقول لك : اقرأ.. واقرأ.. واقرأ ، دائما إذا أردت أن تحيا. فالقراءة هي النور الذي يسعى بين يديك . وهي الرئة التي تنشق منها الحياة . والكتاب خير جليس ، وخير أنيس . وكل كتاب تقرأه يزيدك معرفة .. اقرأ ، وناقش ما تقرأ ، واحتفظ باستقلالك الفكري .." ا. هـ .
===========
اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلاونعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن هوى متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه
1. تقويم النية وتصحيح القصد ، فلا ينبغي أن يكون الهدف القدرة على المنافحة والتفوق عند الدخول في حوار أو الغلبة عند الخوض في جدل ؛ فقد نهانا المصطفى – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك : «لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ» .
2. بل ليكن السعي وراء العلم النافع ، فهنالك ما يمكن أن يسمى "علما" نعم ، لكنه لا ينفع ، والجهل به لا يضر ، وذلك النوع الذي استعاذ منه المصطفى عليه الصلاة والسلام .
3. وتحديد العلم النافع يبدأ من تحديد "الحاجة" إلى الكتاب\المعرفة التي بين يديك . فالمرء لا ينسى ما يحتاج ، ولا ينسى ما يسعى منتبها واعيا لتحصيله ، لذلك من الأهمية بمكان قبل أي كتاب تقرؤه أن تصوغ أسئلة يهمك أن تخرج بإجاباتها من الكتاب ، أو تصوغ أسئلة مبنية على توقعاتك من الكتاب ، بذلك تبرمج عقلك تلقائيا ليتحفز للتلقي ، وحين يجد ضالته أن يحتفظ بها . أما قراءة الترف الفكري فهي كالأكل الزائد ، تُتخِم عقل صاحبها ، وتوهمه بتضخم فكري زائف ، في حين لا تلبث أن تطويها مدارج النسيان .
4. لننتوِ بما نتعلم أن نتزكى ونستفيد ونتفتح لذواتنا قبل الآخرين ، لأن التزكية قبل التربية ، فليس المطلوب أن تكون شمعة تحترق لتضيء للآخرين ، بل أن تكون سراجا منيرا ، ينير في نفسه وينير للآخرين . حين تغمرك أنوار العلم الصحيح النافع ، ستشرق هي من تلقاء نفسها ، وسيفوح عبيرها بغير تكلف ، لأن كل إناء بما فيه ينضح .
5. كذلك من وسائل الانتفاع بما تقرأ ، وهو أهم كثيرا من تضخّم كمّ القراءات ، أن يكون هنالك دفتر \ مفكرة : إما لكل نوع من القراءات (أدب ، علوم ، دين ..) ؛ أو شاملة منوعة كيفما تحب ، تلخص فيها أهم النقاط التي نفعتك ، وتجمع أبرز المقولات التي أعجبتك ، ويا حبذا لو تتبع ذلك بحفظها تباعا ، للعمل بها قبل الاستشهاد ، وإلا نكون ممن يقولون ما لا يفعلون ، ويأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم .
قد يتبادر للذهن سؤال مما سبق : هل توحي السطور بأن قراءات المرء إذن ينبغي أن تكون كلها سامية راقية نبيلة نافعة؟ فماذا عن المواد الخفيفة – تأدبا في اللفظ - أو ما تتداوله المطابع اليوم مما خف ثمنه وغلا سعره؟ ألا يَحسُن بالقارئ أن يكون واسع الأفق ، مطلعا ومُلِما لمدارك أرحَب؟
اعتقادي في هذا الأمر ما هداني إليه الله تعالى - والاعتقاد لا يلزِم سوى صاحبه وإنما أشاركه للنفع لمن أحب - ما يلي :
1. بالنسبة للمبتدئ : فإن كان طالبا للنفع الذاتي والتزكية الشخصية بالمعايير السابقة ، فالنصيحة ألا يشغل رأسه ولا يضيع وقته في خلاف ما ينفعه ويفيده ، وذلك لأنه في مرحلة بناء الأساس الذي عليه يبني حصيلته الثقافية لاحقا . ومعلوم أن الأساس الذي ينخره السوس آيل للسقوط لا يستقيم عليه بناء مهما ترمم ، فكان المنطق أن يبدأ أساسا راسخا وقد تشبع بالنافع المفيد ، لأنه في ذات الوقت في مرحلة تشرّب وتأثر لم يبلغ درجة النقد والتمييز والتفضيل . ومن كان طالبا لغير ذلك ، كأن يسعى وراء آخر الصيحات وأحدت الموجات ، فليفعل ما شاء وهو وما يطلب .. "فهجرته إلى ما هاجر إليه" .
2. بالنسبة لمن قطع شوطا في القراءة ، وتكوّنت لديه ملكة الحكم والنقد ، وتجاوز مرحلة التشرب والتلقي أحادي الجانب ، فهذا له أن يوسّع القاعدة لتشمل التوافه والسفاسف وكل ما تبعها في أذيالها ، في حال كان هنالك ما يُلزِمه بذلك : كأن يكون مجال تخصصه النقد أو يحتاج للمقارنة بين نوعين .. إلخ . وقد قيل لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، "هذا رجل لا يعرف الشر" ، قال : "فذلك أحرى أن يقع فيه" ، فالمرء ليس فقط عدو ما يجهل بل قد يقع فريسة له وهو لا يدري ولا ينتبه . وإذا كان من تعلّم لغة قوم أَمِنَ شرّهم ، كذلك من اطلع أو ألمّ بشيء من تلك الأصناف الأخرى كان أقدر على الحكم عن بيّنة ، والتيقن على بصيرة . وذلك المنهج الذي اتبعته في سلسلة الكتابة عن الأدب بعنوان "الأدب أدب" .
3. إن لم يكن هنالك ما يدعوك لهذا ، فالنصيحة الذهبية لعمر قصير مهما طال ، وأوقات قليلة للفراغ مهما اتسعت ، هي نصيحة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام : "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز" . فدع عنك القوالب الجاهزة من مجتمع تشدّه صيحة وتغيّبه موضة ، من قبيل "لابد أن تعرف" ، و"يجب أن تعلم" .. إلخ ، فلا واجب إلا ما أوجبه الله تعالى على عباده . ما عَدَى ذلك هي التزامات شخصية ، حسب قدرة المرء واستطاعته ، وما أوقفه الله فيه ، وهذا كله في جملة ما يسأل عنه ويحاسب عليه ، يوم لا يكون للإنسان إلا ما سعى .
4. وكما أنه ليس كل علم نافع ، فليست كل قراءة تثقيف ، وإننا لا نسأل عن أعمارنا "لماذا" لم نقرأ فيها لفلان أو فلان ، بل "ماذا" قرأنا ، وفيم أفدنا بما قرأنا : "لا تزول قدما العبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , وعن شبابه فيما أبلاه , وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه , وعن علمه ماذا عمل فيه" . فالخسران الحقيقي هو عدم تحضير إجابات لتلك الأسئلة ، لأن صاحبها كان منكفئا على جمع التواقيع ونقاش الترهات وجدال العبث . وتحضير الإجابات يكون بالعمل لا بالتنظير .
5. فمن أين يتسع الوقت لكل شيء؟ وأنّى يتساوى الغث والسمين؟ وعجبا لزمن صار لزاما فيه التعامل مع الشجر المجتث من الأرض ، بعد أن كنا في أزمان نتاسبق على زرع تلك التي أصلها ثابت وفرعها في السماء .. عجبا لمن يرضى أن يكون كنافخ الكير وفي حامل المسك غَناء ، وعجبا لمن يدّعي نبل الغاية ثم يسلك لها الوسائل الدنية ، وكيف لمُجتاز الشط عبر الوحل ألا تتسخ رجلاه؟!!
===========
في كتابه الرائع : "الوصايا العشر لمن يريد أن يحيا" ، يقول المؤلف خالد محمد خالد :
"هل تعرف أول كلمة تلقاها الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه؟ (اقرأ)!!والحق أنه وراء كل عظيم حشد كبير من الكتب ، التي قرأها وأعمل فيها فكرة الوثيق . وحين تتبع سير عظماء البشرية ؛ تجد الشغف بالقراءة كان السمة المميزة لطفولتهم ، ونشأتهم اﻷولى . إنك - بوصفك إنسانا - مطالب بأن تقرأ كثيرا ، وتفكرا كثيرا.. لهذا ، أقول لك : اقرأ.. واقرأ.. واقرأ ، دائما إذا أردت أن تحيا. فالقراءة هي النور الذي يسعى بين يديك . وهي الرئة التي تنشق منها الحياة . والكتاب خير جليس ، وخير أنيس . وكل كتاب تقرأه يزيدك معرفة .. اقرأ ، وناقش ما تقرأ ، واحتفظ باستقلالك الفكري .." ا. هـ .
===========
اللهم إنا نسألك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبلاونعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن هوى متبع ، وإعجاب كل ذي رأي برأيه