بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ,
بتوفيق الله تعالى أقول :
ينقسم ما تسأل عنه إلى محورين رئيسيين :
1. كتب التنمية البشرية
2. آلية التغيير
================
أولا : كتب التنمية البشرية
في فهمي بحسب ما خبرت من مختلف أنواع القراءات في التطوير الذاتي أن ما تسمى بـ "التنمية البشرية" لا تعد علما حقيقيا ، ولا تبني وحدها ثقافة متكاملة الأركان . بل هي تمثل جانبا معلوماتيا يفتح ذهنك لأمور ومفاهيم إن أحسنت تطبيقها نفعتك ، مثل مهارات التواصل ، اختلافات التعامل والتفاهم باختلاف السن أو الجنس ، طرق تخطيط الأهداف وتنظيم الوقت .. إلخ .
كل ما سبق وخلافه يظل "كما معلوماتيا" ، مجرد القراءة عنه لا تعني إطلاقا أنك تخلقت به أو تغيرت بسببه ، بل حد هذه الكتابات – في أغلبها - هي أنها تعرّفك .
وبحسب تجربتي وما وصلني من تجارب آخرين ، فالسبب في أنها كثيرا ما تتوقف بك عند الكم المعرفي فحسب ، أو تسبب لديك فورة وقتية لا تلبث حرارتها أن تخمد حتى تنطفئ ، أنها لا تولّد لديك ما يكفي من الطاقة الدافعة للعمل بما قرأت ، وسبب ذلك بدوره عائد إلى أنها – في كثير منها - تمتعك بقصص ، وتعطيك "خلاصات" ، أو أوامر مباشرة (في صورة نصائح) ، لكنها لا تبين المنطق النفسي والمنشأ الأصلي والجذور للإشكالات التي تعتمل في نفس المرء ودواخله ، وهذا المنطق هو الفيصل في توليد القناعات ، والقناعة هي بوابة التغيير الدائم الراسخ .
=================
وهذا يقودنا إلى الشق الثاني من سؤالك : لماذا لا أتغير؟
وقد قصدت إعادة صياغته هكذا بدلا من "لماذا لا تغيرني؟"
لأن القاعدة التي بغيرها لا يكون تغيير هو أنك أنت مالك زمام نفسك ، وليس لشيء أن يغيرك إلا أن "تقتنع" أنت "فتعمل" أنت به . فالمؤثرات الخارجية دورها :
1. أن تعرض عليك منطقا
2. وتدعوك بناء عليه لفعل
وحدك تملك قرار الاستجابة بحسب ما اقتنعت . ومن هنا كان المرء مكلفا ومحاسبا على أفعاله وقراراته واختياراته الحياتية ، بعد أن بين الله لنا سبيل الرشاد ، والسبل الأخرى الحائدة عنه .
هذان العاملان أعلاه هما معيار الحكم على المؤثرات الخارجية من حيث قدرتها على التأثير .
فما العوامل الداخلية التي تظل حاجزا أمام التغيير حتى بعد الاقتناع بجدواه؟
1. الإيمان :
بعد الاقتناع العقلي ستقر بصحة هذا الفعل أو ذاك ، لكنه إقرار كإقرارك بأهمية اللبن وعزوفك عن شرب كوب كل صباح مثلا . لماذا؟ لأنك لم تستشعر "الحاجة" . هنالك فرق بين الاقتناع بأهمية أمر أو صحته ، وهذا المدخل العقلي ؛ واستشعار حاجة المرء إليه ، وهذا المدخل القلبي . فأنت لا تأكل مثلا لأن "الطعام مفيد لجسم الإنسان" كما تعلمنا كتب العلوم ، بل لأنك حين تجوع لا تملك إلا أن تستجيب لتلك الحاجة .
فلنقل مثلا إن قرأت عن مهارات التواصل الفعال ، أو كيف تحسن أخلاقك ؛ لن تستطيع حقا أن تفيد بما قرأت إلا أن تكون مستشعرا لحاجتك لتحسين تواصلك مع الناس ، فتكون كالمريض الباحث عن دواء ومستعد لتجربة كل ما يقدم له مما اقتنع به ، حتى ينفعه أحدها . أما أن تقرأ أو تتصفح لأن الموضوع مهم أو الأمر ممتع أو القصص تحفيزية ، فسينتهي بك المطاف في فورة مؤقتة لا تلبث أن تزول ، فتكون صفات الحلم والصبر وطيب الكلام وكظم الغيظ وخفض الصوت .. إلخ ، مجرد عوارض طارئة في شخصيتك ، لا أخلاقا تخلقت بها حتى صارت لك طبعا .
2. السياق المتكامل :
فما تنفعك القراءة عن الوقت وتنظيمه ولا رؤية لديك لأهداف نافعة تريد تحقيقها؟ وما تنفعك اللباقة مع الناس وأنت لا تعامل أهلك بالحسنى؟ وما تغني عنك مهارات العرض والتقديم بغير قلب حي يعايش ما يتكلم به اللسان ، فيحول المبادئ والأفكار من عرائس شمع إلى روح تدب فيها الحياة؟
السياق المتكامل يعني أن ترتب أولوياتك . كتب التنمية البشرية تنبهك دائما إلى ترتيب أهدافك لأولويات ، لكن الحق أن أولوياتك نفسها بحاجة لترتيب أخص وأهم ، وإلا ستشعر بالانفصام بين الوجوه العديدة التي تظهر بها ، والأقنعة التي ترتديها لكل حال . فهل تبحث عن خلق لموقف ، أم تسعى للتخلق والتطبع به دوما؟
وإنه من قلة فقه الأولويات أن يغرِق المرء قائمة أهدافه بتغيير العالم والتأثير في الناس وتوحيد الجهود .. إلخ ، وهو غير قادر على تغيير يومه هو وتنظيم أوقاته – يكفي الاستيقاظ مبكرا وتقليل ساعات النوم والتلفاز! - ، ولم يتلفت لتأثر قلبه بما يتعلم قبل تعليمه للناس ، وأسرته مفككة وأبواه غير راضييْن عنه وإخوته في قائمة المهملات!
3. الصبر والدأب :
رحلة المرء مع ذاته تطويرا وتحسينا وتنمية لا أقول من أطول رحلات حياته ، بل هي رحلة حياته ذاتها . فمن الوهم استعجال كل شيء في ذات الوقت وتمني الوصول إلى "قمة" التغيير التي ليس وراءها مزيد!
فلا غنى والحال كذلك عن نفس طويل متأن ، متقبل لحقيقة أنه في كل يوم ، بل مع كل نَفَس ، هنالك دائما شيء أحسن يمكن تعلمه ، وقيمة مضافة أتخلق بها . والصبر هو جوهر الوصية النبوية : ""إنما العِلم بالتعلّم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يُعطَه ، ومن يَتَوَقَّ الشر يُوقَه" . فلابد من الصبر بيقين أن الله لا يضيع أجر عامل ، وأنه مهما بدا لك أن المنال عسير ، فإنك بتوفيق الله وعونه لابد ستحصّله ما دمت تجتهد وتستعين بالله .
والدأب هو الجد والاستمرار في الفعل حتى يصير عادة . فالصبر لا يعني بحال القعود عن العمل ، وكذلك لا تجدي طريقة الأرنب الذي قطع نصف السباق عدوا ونام في النصف الثاني! لكن كما علمنا رسول الله r : "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" ، فحفظ بضع آيات يوميا مع فهمهما والعمل بها ، خير من إجهادها بسور طويلة تتلوها كقائمة أخبار .
تجنب تماما أن تعيش "مشحونا" ، لأنك ستكون بالضبط كمن يأكل وجبات 3 أيام في وجبة واحدة ، ظنا منه أن ذلك سيوفرعليه تلك ؛ لكن الحاصل أنه يؤذي نفسه ، ولا ينتفع "بالحشو" شيئا . إننا نستعجل "الوصول" إلى شيء ما لا نتوقف حتى لنسائل أنفسنا ما هو ، في حين أن ما نحن مطالبون به حقيقة هو أن "نحيا" لا أن "نصل" ، أن نحيا بما نؤمن به ونجتهد أن نثبت عليه ، وفي كل يوم إضافة جديدة "نحياها" ، وليس "نكومها" على رف الانتظار . إن العيش بطريقة الشحن للوصول ، تعني أنك ستعيش حياتك منتظرا أن تحيا ، ولا تكاد تبدأ في رفع الستار حتى يأتيك الختام!
===============
ختاما ، تذكرة بالوصية النبوية :
"احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز"
بتوفيق الله تعالى أقول :
ينقسم ما تسأل عنه إلى محورين رئيسيين :
1. كتب التنمية البشرية
2. آلية التغيير
================
أولا : كتب التنمية البشرية
في فهمي بحسب ما خبرت من مختلف أنواع القراءات في التطوير الذاتي أن ما تسمى بـ "التنمية البشرية" لا تعد علما حقيقيا ، ولا تبني وحدها ثقافة متكاملة الأركان . بل هي تمثل جانبا معلوماتيا يفتح ذهنك لأمور ومفاهيم إن أحسنت تطبيقها نفعتك ، مثل مهارات التواصل ، اختلافات التعامل والتفاهم باختلاف السن أو الجنس ، طرق تخطيط الأهداف وتنظيم الوقت .. إلخ .
كل ما سبق وخلافه يظل "كما معلوماتيا" ، مجرد القراءة عنه لا تعني إطلاقا أنك تخلقت به أو تغيرت بسببه ، بل حد هذه الكتابات – في أغلبها - هي أنها تعرّفك .
وبحسب تجربتي وما وصلني من تجارب آخرين ، فالسبب في أنها كثيرا ما تتوقف بك عند الكم المعرفي فحسب ، أو تسبب لديك فورة وقتية لا تلبث حرارتها أن تخمد حتى تنطفئ ، أنها لا تولّد لديك ما يكفي من الطاقة الدافعة للعمل بما قرأت ، وسبب ذلك بدوره عائد إلى أنها – في كثير منها - تمتعك بقصص ، وتعطيك "خلاصات" ، أو أوامر مباشرة (في صورة نصائح) ، لكنها لا تبين المنطق النفسي والمنشأ الأصلي والجذور للإشكالات التي تعتمل في نفس المرء ودواخله ، وهذا المنطق هو الفيصل في توليد القناعات ، والقناعة هي بوابة التغيير الدائم الراسخ .
=================
وهذا يقودنا إلى الشق الثاني من سؤالك : لماذا لا أتغير؟
وقد قصدت إعادة صياغته هكذا بدلا من "لماذا لا تغيرني؟"
لأن القاعدة التي بغيرها لا يكون تغيير هو أنك أنت مالك زمام نفسك ، وليس لشيء أن يغيرك إلا أن "تقتنع" أنت "فتعمل" أنت به . فالمؤثرات الخارجية دورها :
1. أن تعرض عليك منطقا
2. وتدعوك بناء عليه لفعل
وحدك تملك قرار الاستجابة بحسب ما اقتنعت . ومن هنا كان المرء مكلفا ومحاسبا على أفعاله وقراراته واختياراته الحياتية ، بعد أن بين الله لنا سبيل الرشاد ، والسبل الأخرى الحائدة عنه .
هذان العاملان أعلاه هما معيار الحكم على المؤثرات الخارجية من حيث قدرتها على التأثير .
فما العوامل الداخلية التي تظل حاجزا أمام التغيير حتى بعد الاقتناع بجدواه؟
1. الإيمان :
بعد الاقتناع العقلي ستقر بصحة هذا الفعل أو ذاك ، لكنه إقرار كإقرارك بأهمية اللبن وعزوفك عن شرب كوب كل صباح مثلا . لماذا؟ لأنك لم تستشعر "الحاجة" . هنالك فرق بين الاقتناع بأهمية أمر أو صحته ، وهذا المدخل العقلي ؛ واستشعار حاجة المرء إليه ، وهذا المدخل القلبي . فأنت لا تأكل مثلا لأن "الطعام مفيد لجسم الإنسان" كما تعلمنا كتب العلوم ، بل لأنك حين تجوع لا تملك إلا أن تستجيب لتلك الحاجة .
فلنقل مثلا إن قرأت عن مهارات التواصل الفعال ، أو كيف تحسن أخلاقك ؛ لن تستطيع حقا أن تفيد بما قرأت إلا أن تكون مستشعرا لحاجتك لتحسين تواصلك مع الناس ، فتكون كالمريض الباحث عن دواء ومستعد لتجربة كل ما يقدم له مما اقتنع به ، حتى ينفعه أحدها . أما أن تقرأ أو تتصفح لأن الموضوع مهم أو الأمر ممتع أو القصص تحفيزية ، فسينتهي بك المطاف في فورة مؤقتة لا تلبث أن تزول ، فتكون صفات الحلم والصبر وطيب الكلام وكظم الغيظ وخفض الصوت .. إلخ ، مجرد عوارض طارئة في شخصيتك ، لا أخلاقا تخلقت بها حتى صارت لك طبعا .
2. السياق المتكامل :
فما تنفعك القراءة عن الوقت وتنظيمه ولا رؤية لديك لأهداف نافعة تريد تحقيقها؟ وما تنفعك اللباقة مع الناس وأنت لا تعامل أهلك بالحسنى؟ وما تغني عنك مهارات العرض والتقديم بغير قلب حي يعايش ما يتكلم به اللسان ، فيحول المبادئ والأفكار من عرائس شمع إلى روح تدب فيها الحياة؟
السياق المتكامل يعني أن ترتب أولوياتك . كتب التنمية البشرية تنبهك دائما إلى ترتيب أهدافك لأولويات ، لكن الحق أن أولوياتك نفسها بحاجة لترتيب أخص وأهم ، وإلا ستشعر بالانفصام بين الوجوه العديدة التي تظهر بها ، والأقنعة التي ترتديها لكل حال . فهل تبحث عن خلق لموقف ، أم تسعى للتخلق والتطبع به دوما؟
وإنه من قلة فقه الأولويات أن يغرِق المرء قائمة أهدافه بتغيير العالم والتأثير في الناس وتوحيد الجهود .. إلخ ، وهو غير قادر على تغيير يومه هو وتنظيم أوقاته – يكفي الاستيقاظ مبكرا وتقليل ساعات النوم والتلفاز! - ، ولم يتلفت لتأثر قلبه بما يتعلم قبل تعليمه للناس ، وأسرته مفككة وأبواه غير راضييْن عنه وإخوته في قائمة المهملات!
3. الصبر والدأب :
رحلة المرء مع ذاته تطويرا وتحسينا وتنمية لا أقول من أطول رحلات حياته ، بل هي رحلة حياته ذاتها . فمن الوهم استعجال كل شيء في ذات الوقت وتمني الوصول إلى "قمة" التغيير التي ليس وراءها مزيد!
فلا غنى والحال كذلك عن نفس طويل متأن ، متقبل لحقيقة أنه في كل يوم ، بل مع كل نَفَس ، هنالك دائما شيء أحسن يمكن تعلمه ، وقيمة مضافة أتخلق بها . والصبر هو جوهر الوصية النبوية : ""إنما العِلم بالتعلّم ، والحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يُعطَه ، ومن يَتَوَقَّ الشر يُوقَه" . فلابد من الصبر بيقين أن الله لا يضيع أجر عامل ، وأنه مهما بدا لك أن المنال عسير ، فإنك بتوفيق الله وعونه لابد ستحصّله ما دمت تجتهد وتستعين بالله .
والدأب هو الجد والاستمرار في الفعل حتى يصير عادة . فالصبر لا يعني بحال القعود عن العمل ، وكذلك لا تجدي طريقة الأرنب الذي قطع نصف السباق عدوا ونام في النصف الثاني! لكن كما علمنا رسول الله r : "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" ، فحفظ بضع آيات يوميا مع فهمهما والعمل بها ، خير من إجهادها بسور طويلة تتلوها كقائمة أخبار .
تجنب تماما أن تعيش "مشحونا" ، لأنك ستكون بالضبط كمن يأكل وجبات 3 أيام في وجبة واحدة ، ظنا منه أن ذلك سيوفرعليه تلك ؛ لكن الحاصل أنه يؤذي نفسه ، ولا ينتفع "بالحشو" شيئا . إننا نستعجل "الوصول" إلى شيء ما لا نتوقف حتى لنسائل أنفسنا ما هو ، في حين أن ما نحن مطالبون به حقيقة هو أن "نحيا" لا أن "نصل" ، أن نحيا بما نؤمن به ونجتهد أن نثبت عليه ، وفي كل يوم إضافة جديدة "نحياها" ، وليس "نكومها" على رف الانتظار . إن العيش بطريقة الشحن للوصول ، تعني أنك ستعيش حياتك منتظرا أن تحيا ، ولا تكاد تبدأ في رفع الستار حتى يأتيك الختام!
===============
ختاما ، تذكرة بالوصية النبوية :
"احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجز"