أنا شخصية ملتزمة وحساسة جدا في التعامل ، أراعي مشاعر الآخرين لكنني لا أشعر أنهم هم يفهمونني ، ويقع بيني وبينهم سوء تفاهم وتأويل للمقاصد ، فكيف أستطيع التواصل بشكل جيد كما ينبغي لملتزمة؟
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
بتوفيق الله تعالى نقول :
1. سأبدأ معكِ من وصفك أنك حساسة ، والحساسية صفة رائعة في التعاملات الإنسانية الراقية ، حينما تكون حساسية "تجاه" الآخرين ، وليس "منهم" J خاصة كلما ارتقى إيمان المرء وارتقت أخلاقه ، فهو يتحسس من إيذائهم ، ويأخذهم بالترفق ولين الكلام والمداراة – لا بالمداهنة - وكلما جَهِلوا عليه ازداد حِلما .. إلخ ، لأن هذه أخلاق النبوة التي نجتهد أن نستقي منها .
إذ لو عاملت الكل بمقاييس العطايا والحرمان والأخذ والرد فأين الفضل؟
2. ولا يتحسس منهم بمعنى أن يسامح في حقوقه بما لا يضر به أو يغريهم بإيذائه أكثر ، ولا يدقق على كل كبيرة أو صغيرة ، لأننا لا ينبغي أن نتعامل بمقاييس الأخذ والرد ، فإن أعطيتني أعطيتك وإن منعتني حرمتك . فالمؤمن مستغن بالله عن الناس وأفضالهم ومدحهم وذمهم . ولجبران خليل جبران مقولة في ذلك : "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح و لا أجزع لمذمة ، وقبل أن تعظني نفسي كنت أظل مُرْتابا في قيمة أعمالي وقدْرها حتى تبعث إليها الأيام بمن يمدَحُها أو يَهجوها . أما الآن فقد عرفت أن الأشجار تزهر في الربيع وتثمر في الصيف ولا مطمع لها بالثناء . وتنثر أوراقها في الخريف وتتعرى في الشتاء ولا تخشى الملامة" .
وخير منه حديث المصطفى r : "لا تَكونوا إمَّعَةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا" .
3. والاستغناء عن الناس لا يعني التكبر ولا ينافي الإفادة من انتقادهم . فالكِبر هو بطر الحق أي إنكاره والتكبر عن اتباعه بعد تبينه ، وغمط الناس أي أن تبخسهم مكانتهم وترى نفسك فوقهم . وحين يوجه أحد لك انتقادا أو يسيء تأويل مقصدك ، حاولي الاستماع لا لتقاضي الشخص الآخر ، بل لتفهيمه ، فليس بالضرورة كل ما يقال هو "اتهام" يستوجب دفعه ، لعلها رسائل أخرى أود أن تسمعها . وخير ما يهدى إليّ عيوبي .
4. لكنه يعني أنك تتعاملين معهم بقلب متفتح وصدر رحب لما يصدر عنهم من تقصير ، وبشجاعة وموضوعية لما يصدرونه من أحكام عليك أو لك . فما يوجهه لي الآخرون من ملاحظات ، مهما كنت "أرى" أنها ليست في محلها ، فلننتبه دائما أنهم يقولون ما "يرون" هم ، ولم نسمع أبدا عن أحد كان مرآة نفسه ، ومن ثم فلنجتهد أن نوسع صدورنا حقا في التقبل بغير "دفاعية" وإنما "بنقاشية"
فبدلا من "لكن" و"لا" ، و"لست" ، لنسأل أسئلة تبين للآخرين أننا نقدر مشاعرهم - كما كنا لنود أن يقدروا مشاعرنا - مثل "ما الذي أوحى لك بهذا؟" "هل بدر مني تصرف؟" ، "لم يعجبك هذا الأسلوب فكيف كان يفترض أن يكون؟" .. إلخ
وإنك لفي غنى عن التذكير بمقولة سيدنا عمر "رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي" ، وفي زماننا نقول "إن خير ما يُهدى إلي عيوبي" . لكن شتان بين "التقبل" وهو السماع على غضاضة في النفس وتجهيز للرد ، و"الاستماع" للفهم والإصلاح .
5. وعلى الصعيد الآخر ، نجد الجانب السلبي للحساسية والذي غالبا يكون المنبع لسوء التأويل وسوء الفهم ، وهو الهروب أو الانكماش من فتح أبواب التحاور الصريح لئلا أجرح ، أو التألم في صمت إذا جرحت . والتصرف الناضج السليم هو في الأولى المواجهة المباشرة ، وفي الثانية التعبير صراحة ، وفي كلتا الحالتين بما يجمل من الملتزمة من تلطف ورقة وتهذيب في اختيار الألفاظ ونبرة الصوت وتعابير الوجه .
الحساسية الهروبية أو الانكماشية قد تفهم بسلبية حتى من أقرب الناس لك ، لأنك لا تفصحين ولأن الناس لن يخمنوا ، وبقدر ما يزعجنا هذا في الآخر بقدر ما يكون حين يصدر منا . فإما أن تفصحي فتبيني ، وإما أن تمرري الموقف تماما . لكن أن تقطعي منتصف الطريق بحيث "تشعري" الطرف الآخر أن هنالك شيئا "خطأ" في التواصل ، ثم تنسحبي تاركة علامات استفهام ، هذا ليس ذا وقع طيب على الأنفس ، ولا يعكس صورة حسنة ، وفي الغالب لن يفهم بإيجابية .
فالخلاصة : إما تواصل بإحسان أو تجاهل بمعروف
فإما أن أتغاضى وأعفو تماما عفوا لا عتاب بعده ولا تلميح ، وأجري كله على الله ، ويناديني الله على رؤوس الخلائق حين لا يقوم إلا من كان أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا .
أو أصارح مصارحة مهذبة أعبر فيها عن حقي ، والعتاب هدية الأحباب حين لا يكون هو مادة اللقاء كل مرة J
6. لنذكّر أنفسنا أننا دائما متنبهون لما يفعله الآخرون بحقنا ، لكننا بدورنا لا نرى تلك الندوب الصغيرة التي لعلنا نتركها فيهم كذلك . ليس الشأن في كونها بقصد أو من دون قصد ، بل في سرعة التقاطنا لها فيهم ، وبطئنا عن استشعارها فينا .
نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق ويصرف عنا سيّئها .
وأختم بمقولة للكاتب كريم الشاذلي ، عن الرجل النحلة والرجل الذبابة :
الرجل النحلة يرى الجانب المشرق في كل شيء ، يبحث عنه بعين شفافة ، وإن لم يجده يصنعه . يؤمن بأن كل إنسان مهما كان فظا أو منفرا توجد فيه صفات خيرة تحتاج فقط إلى من يظهرها ، الجميع يحبونه ويشتاقون لرؤيته . إذا زرناه في بيته وجدناه يغض الطرف عن هنات زوجته وأبنائه ، لا يعلق على كل كبيرة وصغيرة ، يمتدح جميل الفعل وان كان صغيرا ، وإذا نقد نقد بشكل لا يجرح من أمامه ، وفي عمله كالشمس تشع بِشْرا وحُبُورا ، لا يرى إلا طيبا ولا يقع إلا على طيبا .
والرجل النحلة وصف للمؤمن بشكل عام ، قال سيد الخلق وحبيب الرحمن r : "والذي نفسِي بيدِه إن مثلَ المؤمنِ كمثلِ النحلةِ أكلت طيبًا ووضعت طيبًاووقعت فلم تكسرْ ولم تُفسدْ"
الرجل النحلة لا يجد صعوبة في حب أي شخص ، لأنه ببساطة بارع في اكتشاف الايجابيات ،ولا تُعْوِزُه القدرة على رؤية الجمال .
أما الرجل الذبابة :
تراه يبحث بلا كلل عن عيب هنا أو تقصيرهناك ، لا يرى إلا كل ما هو قبيح ، ولا يقع إلا على السيئ . يرى العالم تكسوه العيوب ، ويصر على أنه لا أمل في الإصلاح ، لا يحب الجمال ، إن أخطأ يوما وقال كلمة تشجيع أتبعها
بـ "لكن" ، الجميع يتحاشى انفعالاته ويستثقل انتقاداته ولا يسعد لرؤيته . ووصفنا له بالذبابة وصف لا تجني فيه ولا مبالغة
فكما أن الذبابة تتبع مواضع الجروح والدمامل فتنكأها وتتجنب المواضع السليمة والصحيحة ، فكذا هذا الصنف من البشر يتتبع معايب الناس وسقطاتهم وزلاتهم فيذكرها ويحوم حولها ويتجاهل متعمدا حسناتهم وجميل فعالهم
وهو يحاول جاهدا أن يداري عيوب نفسه بإظهار عيوب غيره ، ومحاولة إفهام نفسه ومن حوله أن العيوب أكثر من الايجابيات .
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مفسرا هذا السلوك:
ما إن تكتمل خصائص العظمة في نفس ، أو تتكاثر مواهب الله لدى إنسان حتى ترى كل محدود أو منقوص يضيق بما رأى ، ويطوي جوانحه على غضب مكتوم ، ويعيش منغصا لا يريحه إلا زوال النعمة ، وانطفاء العظمة ، وتحقق الإخفاق . والسر أن الدميم يرى الجمال تحديا له ، والغبي يرى الذكاء عدوانا عليه ، والفاشل يرى النجاح إزدراء له
وهكذا!
إذن فالرجل الذبابة ، رجل معتل النفس مريض القلب . وهؤلاء المعيبون هم شرار الناس .
وقد وصف رسول الله r هذه الفئة بأنها " وإنَّ شرارَعبادِ اللهِ من هذه الأُمَّةِ المشَّاؤونَ بالنميمةِ ، المُفرِّقون بين الأحبَّةِ"
فاربأ بنفسك ، غالب نفسك وشيطانك ، بل غالب عقلك الذي لا يفتأ يقارن ويصنف ويضع الدوائر حول الأخطاء التي يرتكبها الآخرون من حولك . عقلك الذي يقول عنه علماء النفس بأن قدرتة على اكتشاف السلبيات أعظم من قدرته
على اكتشاف الإيجابيات . لذا فمن الأهمية أن نجاهد أنفسنا ، ونبرمج عقولنا على اكتشاف ورؤية الأشياء الجيدة
وإبراز الجانب الخير الكامن في نفوس الناس . يجب أن نجعل بداخلنا دائما شحنه من التشجيع والتقدير ، وأن نثني على الجميل إن كان صغيرا ، وأن نعذر ونتغاضى عن الأخطاء ، ما استطعنا لذلك سبيلا" . ا. هـ .
بتوفيق الله تعالى نقول :
1. سأبدأ معكِ من وصفك أنك حساسة ، والحساسية صفة رائعة في التعاملات الإنسانية الراقية ، حينما تكون حساسية "تجاه" الآخرين ، وليس "منهم" J خاصة كلما ارتقى إيمان المرء وارتقت أخلاقه ، فهو يتحسس من إيذائهم ، ويأخذهم بالترفق ولين الكلام والمداراة – لا بالمداهنة - وكلما جَهِلوا عليه ازداد حِلما .. إلخ ، لأن هذه أخلاق النبوة التي نجتهد أن نستقي منها .
إذ لو عاملت الكل بمقاييس العطايا والحرمان والأخذ والرد فأين الفضل؟
2. ولا يتحسس منهم بمعنى أن يسامح في حقوقه بما لا يضر به أو يغريهم بإيذائه أكثر ، ولا يدقق على كل كبيرة أو صغيرة ، لأننا لا ينبغي أن نتعامل بمقاييس الأخذ والرد ، فإن أعطيتني أعطيتك وإن منعتني حرمتك . فالمؤمن مستغن بالله عن الناس وأفضالهم ومدحهم وذمهم . ولجبران خليل جبران مقولة في ذلك : "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح و لا أجزع لمذمة ، وقبل أن تعظني نفسي كنت أظل مُرْتابا في قيمة أعمالي وقدْرها حتى تبعث إليها الأيام بمن يمدَحُها أو يَهجوها . أما الآن فقد عرفت أن الأشجار تزهر في الربيع وتثمر في الصيف ولا مطمع لها بالثناء . وتنثر أوراقها في الخريف وتتعرى في الشتاء ولا تخشى الملامة" .
وخير منه حديث المصطفى r : "لا تَكونوا إمَّعَةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساءوا فلا تظلِموا" .
3. والاستغناء عن الناس لا يعني التكبر ولا ينافي الإفادة من انتقادهم . فالكِبر هو بطر الحق أي إنكاره والتكبر عن اتباعه بعد تبينه ، وغمط الناس أي أن تبخسهم مكانتهم وترى نفسك فوقهم . وحين يوجه أحد لك انتقادا أو يسيء تأويل مقصدك ، حاولي الاستماع لا لتقاضي الشخص الآخر ، بل لتفهيمه ، فليس بالضرورة كل ما يقال هو "اتهام" يستوجب دفعه ، لعلها رسائل أخرى أود أن تسمعها . وخير ما يهدى إليّ عيوبي .
4. لكنه يعني أنك تتعاملين معهم بقلب متفتح وصدر رحب لما يصدر عنهم من تقصير ، وبشجاعة وموضوعية لما يصدرونه من أحكام عليك أو لك . فما يوجهه لي الآخرون من ملاحظات ، مهما كنت "أرى" أنها ليست في محلها ، فلننتبه دائما أنهم يقولون ما "يرون" هم ، ولم نسمع أبدا عن أحد كان مرآة نفسه ، ومن ثم فلنجتهد أن نوسع صدورنا حقا في التقبل بغير "دفاعية" وإنما "بنقاشية"
فبدلا من "لكن" و"لا" ، و"لست" ، لنسأل أسئلة تبين للآخرين أننا نقدر مشاعرهم - كما كنا لنود أن يقدروا مشاعرنا - مثل "ما الذي أوحى لك بهذا؟" "هل بدر مني تصرف؟" ، "لم يعجبك هذا الأسلوب فكيف كان يفترض أن يكون؟" .. إلخ
وإنك لفي غنى عن التذكير بمقولة سيدنا عمر "رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي" ، وفي زماننا نقول "إن خير ما يُهدى إلي عيوبي" . لكن شتان بين "التقبل" وهو السماع على غضاضة في النفس وتجهيز للرد ، و"الاستماع" للفهم والإصلاح .
5. وعلى الصعيد الآخر ، نجد الجانب السلبي للحساسية والذي غالبا يكون المنبع لسوء التأويل وسوء الفهم ، وهو الهروب أو الانكماش من فتح أبواب التحاور الصريح لئلا أجرح ، أو التألم في صمت إذا جرحت . والتصرف الناضج السليم هو في الأولى المواجهة المباشرة ، وفي الثانية التعبير صراحة ، وفي كلتا الحالتين بما يجمل من الملتزمة من تلطف ورقة وتهذيب في اختيار الألفاظ ونبرة الصوت وتعابير الوجه .
الحساسية الهروبية أو الانكماشية قد تفهم بسلبية حتى من أقرب الناس لك ، لأنك لا تفصحين ولأن الناس لن يخمنوا ، وبقدر ما يزعجنا هذا في الآخر بقدر ما يكون حين يصدر منا . فإما أن تفصحي فتبيني ، وإما أن تمرري الموقف تماما . لكن أن تقطعي منتصف الطريق بحيث "تشعري" الطرف الآخر أن هنالك شيئا "خطأ" في التواصل ، ثم تنسحبي تاركة علامات استفهام ، هذا ليس ذا وقع طيب على الأنفس ، ولا يعكس صورة حسنة ، وفي الغالب لن يفهم بإيجابية .
فالخلاصة : إما تواصل بإحسان أو تجاهل بمعروف
فإما أن أتغاضى وأعفو تماما عفوا لا عتاب بعده ولا تلميح ، وأجري كله على الله ، ويناديني الله على رؤوس الخلائق حين لا يقوم إلا من كان أجره على الله ، فلا يقوم إلا من عفا .
أو أصارح مصارحة مهذبة أعبر فيها عن حقي ، والعتاب هدية الأحباب حين لا يكون هو مادة اللقاء كل مرة J
6. لنذكّر أنفسنا أننا دائما متنبهون لما يفعله الآخرون بحقنا ، لكننا بدورنا لا نرى تلك الندوب الصغيرة التي لعلنا نتركها فيهم كذلك . ليس الشأن في كونها بقصد أو من دون قصد ، بل في سرعة التقاطنا لها فيهم ، وبطئنا عن استشعارها فينا .
نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق ويصرف عنا سيّئها .
وأختم بمقولة للكاتب كريم الشاذلي ، عن الرجل النحلة والرجل الذبابة :
الرجل النحلة يرى الجانب المشرق في كل شيء ، يبحث عنه بعين شفافة ، وإن لم يجده يصنعه . يؤمن بأن كل إنسان مهما كان فظا أو منفرا توجد فيه صفات خيرة تحتاج فقط إلى من يظهرها ، الجميع يحبونه ويشتاقون لرؤيته . إذا زرناه في بيته وجدناه يغض الطرف عن هنات زوجته وأبنائه ، لا يعلق على كل كبيرة وصغيرة ، يمتدح جميل الفعل وان كان صغيرا ، وإذا نقد نقد بشكل لا يجرح من أمامه ، وفي عمله كالشمس تشع بِشْرا وحُبُورا ، لا يرى إلا طيبا ولا يقع إلا على طيبا .
والرجل النحلة وصف للمؤمن بشكل عام ، قال سيد الخلق وحبيب الرحمن r : "والذي نفسِي بيدِه إن مثلَ المؤمنِ كمثلِ النحلةِ أكلت طيبًا ووضعت طيبًاووقعت فلم تكسرْ ولم تُفسدْ"
الرجل النحلة لا يجد صعوبة في حب أي شخص ، لأنه ببساطة بارع في اكتشاف الايجابيات ،ولا تُعْوِزُه القدرة على رؤية الجمال .
أما الرجل الذبابة :
تراه يبحث بلا كلل عن عيب هنا أو تقصيرهناك ، لا يرى إلا كل ما هو قبيح ، ولا يقع إلا على السيئ . يرى العالم تكسوه العيوب ، ويصر على أنه لا أمل في الإصلاح ، لا يحب الجمال ، إن أخطأ يوما وقال كلمة تشجيع أتبعها
بـ "لكن" ، الجميع يتحاشى انفعالاته ويستثقل انتقاداته ولا يسعد لرؤيته . ووصفنا له بالذبابة وصف لا تجني فيه ولا مبالغة
فكما أن الذبابة تتبع مواضع الجروح والدمامل فتنكأها وتتجنب المواضع السليمة والصحيحة ، فكذا هذا الصنف من البشر يتتبع معايب الناس وسقطاتهم وزلاتهم فيذكرها ويحوم حولها ويتجاهل متعمدا حسناتهم وجميل فعالهم
وهو يحاول جاهدا أن يداري عيوب نفسه بإظهار عيوب غيره ، ومحاولة إفهام نفسه ومن حوله أن العيوب أكثر من الايجابيات .
يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مفسرا هذا السلوك:
ما إن تكتمل خصائص العظمة في نفس ، أو تتكاثر مواهب الله لدى إنسان حتى ترى كل محدود أو منقوص يضيق بما رأى ، ويطوي جوانحه على غضب مكتوم ، ويعيش منغصا لا يريحه إلا زوال النعمة ، وانطفاء العظمة ، وتحقق الإخفاق . والسر أن الدميم يرى الجمال تحديا له ، والغبي يرى الذكاء عدوانا عليه ، والفاشل يرى النجاح إزدراء له
وهكذا!
إذن فالرجل الذبابة ، رجل معتل النفس مريض القلب . وهؤلاء المعيبون هم شرار الناس .
وقد وصف رسول الله r هذه الفئة بأنها " وإنَّ شرارَعبادِ اللهِ من هذه الأُمَّةِ المشَّاؤونَ بالنميمةِ ، المُفرِّقون بين الأحبَّةِ"
فاربأ بنفسك ، غالب نفسك وشيطانك ، بل غالب عقلك الذي لا يفتأ يقارن ويصنف ويضع الدوائر حول الأخطاء التي يرتكبها الآخرون من حولك . عقلك الذي يقول عنه علماء النفس بأن قدرتة على اكتشاف السلبيات أعظم من قدرته
على اكتشاف الإيجابيات . لذا فمن الأهمية أن نجاهد أنفسنا ، ونبرمج عقولنا على اكتشاف ورؤية الأشياء الجيدة
وإبراز الجانب الخير الكامن في نفوس الناس . يجب أن نجعل بداخلنا دائما شحنه من التشجيع والتقدير ، وأن نثني على الجميل إن كان صغيرا ، وأن نعذر ونتغاضى عن الأخطاء ، ما استطعنا لذلك سبيلا" . ا. هـ .