دعني أسألك بدوري : لماذا التخطيط بداية ؟
من البديهي أن تحقيق الأحلام يستلزم عملا ، والعمل يستغرق وقتا . فإذا لم يكن لديك وقت للعمل على إنجاز أحلامك ، فكيف تتوقع لها أن تتحقق؟ والمشكلة التي يشتكي منها الكثير هي الأحلام الكبيرة والآمال العريضة في مواجهة أوقات فراغ ضيقة ، لا تكاد تكفي لإنجاز أي منها! فيكون الحل إما الإغراق فـــــــــي أحلام اليقظة ، أو في مشاعر الإحباط والخيبة . ويومك ما هو إلا صورة مصغرة من حياتك ، فاغتنام يوم هو ادخار في بنك العمر ليوم يقوم فيه الناس لرب العالمين ، وتُجزَى كل نفس بما كسبت . ولذلك فتنظيم الوقت ووضع خطة ناجحة هو فن ، وأي فن! إنه أصل كل الفنون الأخرى ، لأنه السبيل لإنجازها .
إذن ، هل التخطيط عون أم عبء؟
بعد أن جربتُ أنواعا وأساليب عديدة من التخطيط ، وملأتُ العديد من الدفاتر بالجداول ، توصلتُ إلى أن الخطة الناجحة هي تلك التي تُنهِضك من فراشك طوْعا صباح كل يوم ، لتندفع بكل حماسة وكل ابتهاج لاستثمار يومك . وبتعبير آخر ، فهي تلك التي تَسَع الترفيه كما تسع الجِد ، وحقوقَ الغير كما حقوق النفس . وهي تلك التي تشعر معها بأنك أنت واضعها لتنظيم وقتك ، وليست هي التي تُسَيِّرك لتَكبِيل حريتك .
فمتى وجدت نفسك تَمضي في تنفيذ خطتك أو تطبيق جدولك اليومي ، بنفس مُكــرهة وقلب منقبض ، ودام ذلك لعدة أيام ، فاعلم أن في خطتك خللا . ومن واقع الخبرة ، سيكون ذلك في الغالب بسبب حشوها بكثير من الجد ، أو تمييعها بكثير من اللهو ، أو خُلُوها من حقوق الذات ، أو قصورها في حقوق الغير . فهذه المُكونّات الأربع لا غنى عنها ، ولا غنى عن كَيْلها بمكيال الوسط والاعتدال : الجد والاستمتاع ، حقوق الذات وحقوق الغير .
وفيما يلي ، سأعرض لك أهَمِّ الاعتبارات عند التخطيط ، والتي بإغفالها سترى الجداول مُتْخَمة والإنجازات هزيلة!
من البديهي أن تحقيق الأحلام يستلزم عملا ، والعمل يستغرق وقتا . فإذا لم يكن لديك وقت للعمل على إنجاز أحلامك ، فكيف تتوقع لها أن تتحقق؟ والمشكلة التي يشتكي منها الكثير هي الأحلام الكبيرة والآمال العريضة في مواجهة أوقات فراغ ضيقة ، لا تكاد تكفي لإنجاز أي منها! فيكون الحل إما الإغراق فـــــــــي أحلام اليقظة ، أو في مشاعر الإحباط والخيبة . ويومك ما هو إلا صورة مصغرة من حياتك ، فاغتنام يوم هو ادخار في بنك العمر ليوم يقوم فيه الناس لرب العالمين ، وتُجزَى كل نفس بما كسبت . ولذلك فتنظيم الوقت ووضع خطة ناجحة هو فن ، وأي فن! إنه أصل كل الفنون الأخرى ، لأنه السبيل لإنجازها .
إذن ، هل التخطيط عون أم عبء؟
بعد أن جربتُ أنواعا وأساليب عديدة من التخطيط ، وملأتُ العديد من الدفاتر بالجداول ، توصلتُ إلى أن الخطة الناجحة هي تلك التي تُنهِضك من فراشك طوْعا صباح كل يوم ، لتندفع بكل حماسة وكل ابتهاج لاستثمار يومك . وبتعبير آخر ، فهي تلك التي تَسَع الترفيه كما تسع الجِد ، وحقوقَ الغير كما حقوق النفس . وهي تلك التي تشعر معها بأنك أنت واضعها لتنظيم وقتك ، وليست هي التي تُسَيِّرك لتَكبِيل حريتك .
فمتى وجدت نفسك تَمضي في تنفيذ خطتك أو تطبيق جدولك اليومي ، بنفس مُكــرهة وقلب منقبض ، ودام ذلك لعدة أيام ، فاعلم أن في خطتك خللا . ومن واقع الخبرة ، سيكون ذلك في الغالب بسبب حشوها بكثير من الجد ، أو تمييعها بكثير من اللهو ، أو خُلُوها من حقوق الذات ، أو قصورها في حقوق الغير . فهذه المُكونّات الأربع لا غنى عنها ، ولا غنى عن كَيْلها بمكيال الوسط والاعتدال : الجد والاستمتاع ، حقوق الذات وحقوق الغير .
وفيما يلي ، سأعرض لك أهَمِّ الاعتبارات عند التخطيط ، والتي بإغفالها سترى الجداول مُتْخَمة والإنجازات هزيلة!
1. الأوقات البينية
هل سمعتَ قبلا بتعبير "الفراغات البينية" وأنت ترتب أثاث شقتك مثلا ، فتسعى للاستفادة من تلك الفراغات في توسيع مساحة أو وضع شيء؟ ألا يُعد ذلك من التوفير المبدع والتصرف الذكي ، دون أن يتطلب ذلك تكلفة إضافية على الإطلاق؟ ما رأيك لو قلت لك إن تخطيط وقتك مثل ترتيب أثاث منزلك ؟ بالتأكيد لن يُغفِل أي منا القطع الكبيرة من الأثاث ، كالكراسي والطاولات والدواليب ، لكن الذكاء يكمن في استثمار تلك الفراغات البينية . بالمثل ، عندما تهتم بتخطيط وقتك بدل أن تمضي كل يوم كيفما اتفَق ، ستتبين لك تلك الفراغات البينية بجلاء . فالأوقات البينية إذن كنز عظيم ، خاصة حينما تجمعها على مدار الأسبوع والشهر والسنة . لقد أنجزتُ فعلا الكثير الكثير مما كنت أتمنى أن "أتفرغ" له في تلك الأوقات ، خطوة خطوة ، يوما بعد يوم . والنتيجة : وقتك يتسع لكل أحلامك ، بشيء من التخطيط الواعي ، وكثير من الاستثمار لفراغاتك .
2. الأهم فالمهم .. بالنسبة لك أنت
انتبه جدا لهذه النقطة قبل أن تشرع في كتابة قائمة المهام لأي خطة ، لأننا في كثير من الأحيان حين نشرع في "استثمار" الوقت ، نفكر فورا في كل الأشياء المهمة والأهداف الجادة والمشروعــات المدفوعة ماديا ، ونتغافل عما لا يقل أهمية عن كل ما سبق . إن وقت الفراغ - من اسمه - هو الوقت الذي تفرغ فيه - مهما قَلّ - من الأعباء الخارجية والمهام الوظيفية أو المفروضة خارجيا . فهو الوقت الذي تفعل فيه ما تحبه وتهواه ، لتحقيق ذاتك ، وبدافع شخصي داخلي ، لا ما ينبغي وما يفترض أن تفعل . فالراحة والنشاطات الترفيهية المفيدة هي جزء مهم مما تحتاجه ، لتعيش حياة تصل فيها إلى أهدافك وتحقق أحلامك . بل إن تلك هي الأمور التي تجعل الحياة تستحق أن نعيشها : الأسرة والأصدقاء ، والأعمال الإبداعية والتطوعية ، والجانب الديني والروحي . فلا جانب يغني عن آخر كنها لأن الحياة تقدم لنا الكثير من الطرق المختلفة ، وليس ذلك عبثا ، بل لنعيش تجارب متنوعة وغنية ونتعلم دروسا متنوعة . أليس الله تعالى يقول : "إنا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَر" [القمر : 49] ؟
لذلك حين يكون كلامنا عن الأحلام ، وحديثنا عن استثمار العمر ، فلابد أن تضع في الحسبان كل ما يثري حياتك ، وينمي شخصيتك ، ويحقق ذاتك . لا تستبعد شيئا مما تحب وتهوى ، وترجو وتتمنى ، بل احتفظ بكل ذلك ، واستمر في القراءة ، وسترى بإذن الله تعالى ، كيف أن تحقيق أحلامك رحلة ممتعة ، تبدأ من الآن .
3. حماسة البداية :: حذار من التخمة!
أحـــد أسباب ثِقَل تنظيم الوقت والشروع في الإنجاز هو حشد الكثير من المُهِمات الكبيرة في نفس اليوم ، فتصير الخطة ترهيبا لا ترغيبا . لأن الشروع في مهام عديدة يستنزف الطاقة بدل أن يستثمرها ، ويشتت المرء عن التركيز على العمل الآني ، لأنه مشغول بالقلق على ما سيتبقى من وقت للبقية . إنك هكذا كمن يَنشُد ساعات أكثر من الأربع وعشرين التي يحويها اليوم ، والتي نصفها أو ثلاثة أرباعها ننفقها في روتينيات الحياة . فلو أنك تخطط لتأليف كتاب ، أو تعلم لغة ، أو إتقان القيادة ، بالإضافة للأعمال المنزلية والواجبات الروتينية كل أسبوع ، ستجد أن الوقت المتاح لهذه أو تلك يكاد يكون ضئيلا لإتمام أي منها بصورة مُرْضِية . حتى لو فرضنا أن اليوم يتسع لمائة مَهمة ، فذلك يعني أن تقضي حوالَيْ ثلاث دقائق ونصف في كل منها! ستنجزها في نهاية المطاف نعم ، لكن ربما بعد مائة سنة بتلك الطريقة!
الأنفع أن تحدد لكل فترة (أسبوع \ شهر\سنة) عددا معينا من المَهام ، وتَمضي معها حتى تتمها ، ثم تنتقل لغيرها . فإما أن تركز جهودك على مشروع واحد حتى تُنجزَه ، أو تنوِّع بين مشروعين أو ثلاثة على الأكثر ، تُقسِّم وقتك بينها بما يكفي لتُنجِز قَدْرا ذا قيمة في كل منها .
خذ في اعتبارك صحتك وراحتك النفسية ، وكذلك جودة المحصل وإتقان الأداء . فالرأي إذا قررت البَدء في تنفيذ أكثر من هدف ، أن تراعِيَ أن يكون أحدهما كبيرا طويل الأمد ، كاتباع حمية (وهذا يستغرق أشهرا) ، إلى جانب آخر أصغر ، كقراءة ست صفحات من كتاب يوميا ، أو حفظ بعض قوائم المفردات في لغة جديدة (وهذا يستغرق في حدود الشهر) .
4. هرم الواجبات : فككه إلى مكعبات
من العقبات الكبرى في طريق تنفيذ الأهداف الكبيرة ، والمشروعات طويلة الأمد ، هو استضخام حجم المَهام المطلوبة ، تماما كمن ينظر لقِمّة هرم من بعيد ، فيُخَيَّل إليه أن تسلقه مستحيل . الحل الأمثل هو أن تلعب لعبة المكعبات أو الليجو . فكك الهرم إلى مكعبات أصغر ، والهدفَ الكبير إلى مهام صغيرة على طول الطريق . فكلما أنجزت واحدة ، أسلَمَتْك خطوة لما بعدها ، حتى تصل لقمة الهرم ، دون أن ينقطع نَفَسُك أو تخور قُواك . وصدقني إذ أقول لك : سيدهشكَ كَمُّ الإنجازات التي ستحققها بهذه الطريقة ، والهِمة التي ستملأ جوانحك دون تعسف أو تسويف .
تذكر دائما أن مفتاح السر هو : التصغير والمواظبة . فلا يكفي أن تُجَزِّئ العمل الكبير إلى أصغر ، بل لابد من المداومة على نفس القَدْر الصغير ، يوما بعد يوم ، حتى تنتهي منه . إننا في عصر اليوم نميل إلى الاعتقاد أن الغَلبَة للأسرع ، وأنه لابد من الإنجاز المَحمُوم ، كما لو كنا في سباق ماراثون . لكن الحقيقة التي نَغفَل عنها هي أن أعظم إنجازات الإنسانية ، تمت بالمثابرة البطيئة . وهل الأهرامات إلا حجر على حجر ، بنيت يوما بعد يوم ، في دأب وصبر عجيبين؟ وكذا ســــور الصين العظيم ، وغيرهما .
خذ وقتك ، واستمتع بقطع الطريق ، وثابر في رَوِية لا تكاسل!
5. إياك و"هذه المرة فقط"
لو أنك كنت ماضيا في تنفيذ خطة إقلاع عن التدخين – مثلا - ثم حدثتك نفسك يوما : "سيجارة واحدة فقط!" ، تمهل لحظة واقرأ ما يلي . في نفس اللحظة التي تسمح فيها لنفسك بأريحية "فقط واحدة" ، وبأن تخرج عن العادة "فقط لمرة" ، فإن الثانية تصبح أسهل! وإذا وقعت الثانية ، فالثالثة أهون ، وهَلم جرا! إن التساهل يدعو بعضه إلى بعض . ورَغم بَديهية هذا الكلام ، فإنه على قدر كبير من الأهمية في تفسير فشل محاولات الالتزام بالخطط طويلة الأمد ، كممارسة المشي ، واتباع حِمية ، أو الإقلاع عن التدخين . فإذا أغلقت الباب على المرة الأولى ، وسددته بإحكام في وجه بوادر الريح ، فلن تُضطر لمواجهة عاصفة ، ستقلب خطتك رأسا على عقب ، وتصيبك بإحباط قد لا تستطيع معه الاستمرار . قاوم الأولى ، ولن تحتاج للقلق بشأن الثانية والثالثة ، والألف!
لعلي أسمعك تتساءل - كما كنتُ أتساءل – أيعقل أن كل هذا من "مرة فحسب"؟! نعم! كيف ذلك؟ إنك حينما تُدَلِّل نفسك بتلك المرة ، فإنك تحصل على لَذة فورية . وهذه اللذة من القوة بمكان ، بحيث تستثقل النفس العودة "للحرمان" من تلك اللذة الآنية ، في مقابل لذة بعيدة مستقبلية : إنقـــاص الوزن ، أو الإقلاع عن التدخين ... إلخ . ولذلك فإنك حين تتساهل لأجل لذة عابرة في الحــال ، تُغريك نفسك بتَكرارها ، وبــدل أن تكبح ذلك الإغراء مرة ، يصير عليك مقاومة أضعــافه . وهنا مكمن صعوبة الالتزام الكامل بخطة كهذه ، لأنك تقاوم جيشا من الإغراءات العاجلة ، لأجل لذة آجلة . ولكنك لو استحضرت أن تلك الآجلة هي أنفع وأبقى ، وقاومت "هذه المرة" ، فستبلغ مُرادك ، وتسعد سعادة حقيقة بإنجازك .
6. وَقِّت المهام
في المرة القادمة التي تقوم بها بأي عمل ، روتينيا كان أو إحدى الهوايات الخاصة ، وَقِّت ذلك العمل لتحسِب المدة المُستغرَقة لإتمامه . بهذه الطريقة ، ستعرف كم من الوقت يستغرق مثل هكذا عمل في المرة القادمة التي يتوجب عليك فيها إعادته . وكلما عرفت لكل عمل في جدولك مُدَّته ، تسنَّى لك أن تستثمر دقائق يومك بشكل سيذهلك فيه كَمُّ الإنجازات ، التي لم تكن الأربع وعشرين ساعة السابقة لتكفِيَها! وبدل أن تتراكم المهام الصغيرة ، ستجد أن الأوقات البينية في يومك اتسعت ، وتجلت أمامك ، بحيث ليس فقط ستملأ السيارة بالوقود ، وتشتري الحاجيات من السوق ، وتكوي ملابس اليوم التالي ، وتنهي آخر صفحات التقرير المؤجلة منذ أسابيع ، بل وتقرأ عشر صفحات من روايتك المفضلة ، وتستمع لمحاضرة أو تتابع برنامجك على التلفاز ، أو تحادث أقاربك المنسيين!
7. يقولون "اطرق الحديد وهو ساخن" .. فماذا لو برد؟
تأتي على الواحد منا أوقات يدفع فيها نفسه إلى العمل دفعا ، ويتنقل من مكان لمكان كبِطيخة تتدحرج على الأرض في تثاقل! مزاجك متعكر ، وتفضل أن تستلقي أمام التلفاز ، أو تنام على الأريكة ، أو لا تفعل شيئا على الإطلاق! لكنك تَمضي مع هذا ، لعلمك بأنك لو تركت نفسك على هواها ، فـلن تنجز شيئا أبدا ، فضلا عن أن هناك مهاما وأعمالا لا تخضع لحالتك المزاجية . وفي قرارة نفسك ، تنتظر هبوط الهمة والنشاط والحيوية من السماء ، لتعود لسابق عهدك .
ثابر على ما تفعل ، دون أن تجلِد نفسك بتأنيبها على كسلها أو تراخيها ، بل سلّم بأن ما أنت فيه حالة طبيعية ، يمر بها كل منا في حينه . والنتيجة أن الرياح ستأتي أخيرا محملة بما تشتهي سفنك بإذن الله! ولكن انتبه في الوقت الذي تهب فيه رياحك أن تغتنمها ، وأن تستثمر أوقات الفورة والنشاط في المهام الكبيرة المؤجلة . أمـــا الصغيرة الروتينية أو التي لا تتطلب نفس المجهود ، فدعها حين يكبو جوادك!
وحين تطبّق نصائح قهر التسويف – التي سنتحدث عنها لاحقا- وتشرع في الحال ، وتجد أنك انغمست في عملك بانسجام ، فلا تقطع انسجامك هذا ، حتى ولو كنت أنهيت المهمة المحددة ، فتخطاها للتي تليها . استمر في الإنجاز ما شعرت بالطاقة والقدرة والانهماك ، وتوقف حين يداخلك الملل أو التعب أو السرحان . وسبب ذلك أن قطع الاستغراق في عمل – كالدراسة مثلا – وأنت بعدُ قادر على الاستمرار ، سيجعل عودتك إليه أثقل على النفس ، لأنك أرخيتها في وقت لم تكن تحتاج فيه إلى الاسترخاء ، تماما كمن يجبر نفسه على النوم وهو لا يشعر بالنعاس .
8. لا تسابق الزمَن ، وانتبه لحُمَّى الإنجاز!
هل أنتَ على عجلة دائمة من أمرك؟ هل جربتَ أن تضع خطة ليومك ، ثم بدل أن تسعى لاستثمار اليوم ، إذا بك تدخل معه في سباق محموم؟ إن الشعور بضغط الوقت دوما أمر لا يمكن أن تستثمر معه وقتك فعليا ، أو تعيش حياة مسالمة ، أو تنجز بإتقان . فليس هدف الحياة هو أن نعبرها بأسرع وقت ممكن ، وإنما أن نستمتع بعبورها ، ونستفيد ونفيد ما استطعنا . ولن تستطيع مهما خططت أن تشكل الزمن ليلائم خططك ويسير وفق هواك . فمن قال إن الخطة وضعت لهذا؟ إنما الخطة لتحقق أكبر استثمار بأكبر رأس مال يمكن أن تمتلكه . وأذكرك مرة أخرى بأن خير وسيلة للتخفيف من الضغط والتوتر ، هو ألا تحشر أهدافك ، حتى لا تأتي النشاطات التي يفترض أن تساهم في التخفيف من حدة الضغط النفسي وأن تحسن صحتك بمفعول عكسي ، إذا حاولت أن تقوم بها وأنت في عجلة من أمرك .
صحيح أنك تريد أن "تنجز" ، وكلنا يريد ذلك ، لكن الرحلة المقطوعة للوصول للهدف ، هي جزء لا يتجزأ من عملية الإنجاز . وبدل أن تُضطر لعودة أدراجك للوراء ، لأن إحدى المراحل لم تتمْ بإتقان ، سِر متمهلا من البداية ، بغير تكاسل أو استعجال ، وستبهرك النتائج ، وتسعدك الرحلة . وهذا عن تجربة شخصية ، بعد معاناة طويلة مع "حُمَّى الإنجاز" .
لإطالـــة أوقـــاتك : لا تستعجل ، بل عش بهدوء! إنها طريقة أشبه بالسحر للحصول على المزيد من الوقت . بهذه الطريقة ستعيش مِلء كل لحظة من حياتك ، لأنك ستتصالح مع الوقت وتتحكم به ، بدل أن تعيشا في صدام وخصام . فاحرص على تخير وخفض عدد نشاطاتك ، لتستحق الوقت المنفَق عليها ، وتحقق العائد المَرجُوَّ ، والمتعة المنشودة من ورائها. قد تستطيع القيام بأي شيء في أي وقت ، لكن ليس كل شيء في نفس الوقت .
ويكفي أن تتفكر فيما تفعل برَوِيَّة ، حتى تدرك أن أكثر الأعمال التي لا تستحق عناء القيام بها ، هي نفسها التي تُبَدد كل وقتنا! فكثيرا ما نتحجج بضيق الوقت ، في حين أننا نجد ما يكفي من الساعات الطوال أمام شاشات التلفزيون! إن ضيق الوقت ليس هو المشكلة ، وإنما الطريقة التي يُدار بها الوقت . فالأشخاص الأكثر إنتاجا ونشاطا ، هم أولئك الذين يستثمرون وقتهم ، فلا يشحنونه بالأعمال ، ولا يهدرونه باللهو . بل يكتفون بنشاطات معينة ، يتابعونها بإتقان ، دون الشعور بضغط الوقت . يمكنك أن تُمضي وقتك بطريقة ذكية ، تمتعك وترتقي بك ، أو بشكل مستهتر ، يستنزف طاقتك ولا يرفّه عنك .
9. بين واجب الإتقان وفخ الكمال
تخيل أنك تطهو وجبة طعـــام : ينبغي ألا تبالــغ في الطهي ، وكذلك ألا ترفع الطعام من على النار قبل أن ينضَج حتى الدرجة المناسبة . والدرجة المناسبة تعني الحذر من الوقوع في فخ "الكمال" .
إن السعي للإتقان يعني أن تبذل أفضل ما لديك ، في حدود ما يتوافر لديك ، ولا يعني أبدا أن تكلف نفسك فوق طاقتها . والإتقان يختلف عن الكمال ، فالأول واجب في كل عمل تعمله ، كما قـــال المصطفى عليه الصلاة والسلام : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" . وذلك يشمل جوانب الحياة كلها ، بدءا من أداء العبادات ، مرورا بالتعامل مع الناس ، وانتهاء بالأنشطة المختلفة من دراسة وعمل وترفيه .
الإتقان يعني ألا تدخر جهدك "لوقت لاحق" ، لأنك لا تدري إن كنت ستدرك وقتا لاحقا أم لا ، ولا ضمانة لحصولك على فرص ثانية في كل شيء . فالإتقان يعني أن تتعامل مع المهمة التي أنت مكلف بها ، كما لو كانت تلك فرصتك الأولى والأخيرة . إن هذا مبدأ رئيسي لحياة ناجحة ، لأنه يحفظ لك كثيرا من الفرص الفريدة أن تضيع عليك ، لمجرد أنك لم نقدم أفضل ما لديك من المرة الأولى . فإذا اتخذت الإتقان قاعدة في كل ما تفعل ، وجعلتها بصمة أعمالك ، وعنوان شخصيتك ، فلن يضيرك أبدا ألا تحصل على فرصة ثانية ، إن شاء الله تعالى . فإن حدث وأُعطِيت فرصة ثانية ، حينها ستجمع إلى جانب تقديم أفضل ما لديك كما فعلت سابقا ، الاستفادة من تجربة الفرصة الأولى ، وتجنب تَكــــــرار أخطائها . وإن لم تعطاها ، فقد أديت ما عليك ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
أما الكمال ، فإنك تدرك مسبقا أنك لن تصل إليه ، لأننا بشر لابد أن نخطئ . والخطأ مناف للكمال ، لكنه لا يناقض الإتقان . فأتقن عملك يخرج في أبهى صورة تبدعها يداك ، ودع عنك التفكير في إنتاج الآخرين ، لأن لكل منا لمستَه الشخصية ، وطريقته الفريدة ، وسِحرَه الخاص .
هل سمعتَ قبلا بتعبير "الفراغات البينية" وأنت ترتب أثاث شقتك مثلا ، فتسعى للاستفادة من تلك الفراغات في توسيع مساحة أو وضع شيء؟ ألا يُعد ذلك من التوفير المبدع والتصرف الذكي ، دون أن يتطلب ذلك تكلفة إضافية على الإطلاق؟ ما رأيك لو قلت لك إن تخطيط وقتك مثل ترتيب أثاث منزلك ؟ بالتأكيد لن يُغفِل أي منا القطع الكبيرة من الأثاث ، كالكراسي والطاولات والدواليب ، لكن الذكاء يكمن في استثمار تلك الفراغات البينية . بالمثل ، عندما تهتم بتخطيط وقتك بدل أن تمضي كل يوم كيفما اتفَق ، ستتبين لك تلك الفراغات البينية بجلاء . فالأوقات البينية إذن كنز عظيم ، خاصة حينما تجمعها على مدار الأسبوع والشهر والسنة . لقد أنجزتُ فعلا الكثير الكثير مما كنت أتمنى أن "أتفرغ" له في تلك الأوقات ، خطوة خطوة ، يوما بعد يوم . والنتيجة : وقتك يتسع لكل أحلامك ، بشيء من التخطيط الواعي ، وكثير من الاستثمار لفراغاتك .
2. الأهم فالمهم .. بالنسبة لك أنت
انتبه جدا لهذه النقطة قبل أن تشرع في كتابة قائمة المهام لأي خطة ، لأننا في كثير من الأحيان حين نشرع في "استثمار" الوقت ، نفكر فورا في كل الأشياء المهمة والأهداف الجادة والمشروعــات المدفوعة ماديا ، ونتغافل عما لا يقل أهمية عن كل ما سبق . إن وقت الفراغ - من اسمه - هو الوقت الذي تفرغ فيه - مهما قَلّ - من الأعباء الخارجية والمهام الوظيفية أو المفروضة خارجيا . فهو الوقت الذي تفعل فيه ما تحبه وتهواه ، لتحقيق ذاتك ، وبدافع شخصي داخلي ، لا ما ينبغي وما يفترض أن تفعل . فالراحة والنشاطات الترفيهية المفيدة هي جزء مهم مما تحتاجه ، لتعيش حياة تصل فيها إلى أهدافك وتحقق أحلامك . بل إن تلك هي الأمور التي تجعل الحياة تستحق أن نعيشها : الأسرة والأصدقاء ، والأعمال الإبداعية والتطوعية ، والجانب الديني والروحي . فلا جانب يغني عن آخر كنها لأن الحياة تقدم لنا الكثير من الطرق المختلفة ، وليس ذلك عبثا ، بل لنعيش تجارب متنوعة وغنية ونتعلم دروسا متنوعة . أليس الله تعالى يقول : "إنا كُلَّ شيء خلقناه بِقَدَر" [القمر : 49] ؟
لذلك حين يكون كلامنا عن الأحلام ، وحديثنا عن استثمار العمر ، فلابد أن تضع في الحسبان كل ما يثري حياتك ، وينمي شخصيتك ، ويحقق ذاتك . لا تستبعد شيئا مما تحب وتهوى ، وترجو وتتمنى ، بل احتفظ بكل ذلك ، واستمر في القراءة ، وسترى بإذن الله تعالى ، كيف أن تحقيق أحلامك رحلة ممتعة ، تبدأ من الآن .
3. حماسة البداية :: حذار من التخمة!
أحـــد أسباب ثِقَل تنظيم الوقت والشروع في الإنجاز هو حشد الكثير من المُهِمات الكبيرة في نفس اليوم ، فتصير الخطة ترهيبا لا ترغيبا . لأن الشروع في مهام عديدة يستنزف الطاقة بدل أن يستثمرها ، ويشتت المرء عن التركيز على العمل الآني ، لأنه مشغول بالقلق على ما سيتبقى من وقت للبقية . إنك هكذا كمن يَنشُد ساعات أكثر من الأربع وعشرين التي يحويها اليوم ، والتي نصفها أو ثلاثة أرباعها ننفقها في روتينيات الحياة . فلو أنك تخطط لتأليف كتاب ، أو تعلم لغة ، أو إتقان القيادة ، بالإضافة للأعمال المنزلية والواجبات الروتينية كل أسبوع ، ستجد أن الوقت المتاح لهذه أو تلك يكاد يكون ضئيلا لإتمام أي منها بصورة مُرْضِية . حتى لو فرضنا أن اليوم يتسع لمائة مَهمة ، فذلك يعني أن تقضي حوالَيْ ثلاث دقائق ونصف في كل منها! ستنجزها في نهاية المطاف نعم ، لكن ربما بعد مائة سنة بتلك الطريقة!
الأنفع أن تحدد لكل فترة (أسبوع \ شهر\سنة) عددا معينا من المَهام ، وتَمضي معها حتى تتمها ، ثم تنتقل لغيرها . فإما أن تركز جهودك على مشروع واحد حتى تُنجزَه ، أو تنوِّع بين مشروعين أو ثلاثة على الأكثر ، تُقسِّم وقتك بينها بما يكفي لتُنجِز قَدْرا ذا قيمة في كل منها .
خذ في اعتبارك صحتك وراحتك النفسية ، وكذلك جودة المحصل وإتقان الأداء . فالرأي إذا قررت البَدء في تنفيذ أكثر من هدف ، أن تراعِيَ أن يكون أحدهما كبيرا طويل الأمد ، كاتباع حمية (وهذا يستغرق أشهرا) ، إلى جانب آخر أصغر ، كقراءة ست صفحات من كتاب يوميا ، أو حفظ بعض قوائم المفردات في لغة جديدة (وهذا يستغرق في حدود الشهر) .
4. هرم الواجبات : فككه إلى مكعبات
من العقبات الكبرى في طريق تنفيذ الأهداف الكبيرة ، والمشروعات طويلة الأمد ، هو استضخام حجم المَهام المطلوبة ، تماما كمن ينظر لقِمّة هرم من بعيد ، فيُخَيَّل إليه أن تسلقه مستحيل . الحل الأمثل هو أن تلعب لعبة المكعبات أو الليجو . فكك الهرم إلى مكعبات أصغر ، والهدفَ الكبير إلى مهام صغيرة على طول الطريق . فكلما أنجزت واحدة ، أسلَمَتْك خطوة لما بعدها ، حتى تصل لقمة الهرم ، دون أن ينقطع نَفَسُك أو تخور قُواك . وصدقني إذ أقول لك : سيدهشكَ كَمُّ الإنجازات التي ستحققها بهذه الطريقة ، والهِمة التي ستملأ جوانحك دون تعسف أو تسويف .
تذكر دائما أن مفتاح السر هو : التصغير والمواظبة . فلا يكفي أن تُجَزِّئ العمل الكبير إلى أصغر ، بل لابد من المداومة على نفس القَدْر الصغير ، يوما بعد يوم ، حتى تنتهي منه . إننا في عصر اليوم نميل إلى الاعتقاد أن الغَلبَة للأسرع ، وأنه لابد من الإنجاز المَحمُوم ، كما لو كنا في سباق ماراثون . لكن الحقيقة التي نَغفَل عنها هي أن أعظم إنجازات الإنسانية ، تمت بالمثابرة البطيئة . وهل الأهرامات إلا حجر على حجر ، بنيت يوما بعد يوم ، في دأب وصبر عجيبين؟ وكذا ســــور الصين العظيم ، وغيرهما .
خذ وقتك ، واستمتع بقطع الطريق ، وثابر في رَوِية لا تكاسل!
5. إياك و"هذه المرة فقط"
لو أنك كنت ماضيا في تنفيذ خطة إقلاع عن التدخين – مثلا - ثم حدثتك نفسك يوما : "سيجارة واحدة فقط!" ، تمهل لحظة واقرأ ما يلي . في نفس اللحظة التي تسمح فيها لنفسك بأريحية "فقط واحدة" ، وبأن تخرج عن العادة "فقط لمرة" ، فإن الثانية تصبح أسهل! وإذا وقعت الثانية ، فالثالثة أهون ، وهَلم جرا! إن التساهل يدعو بعضه إلى بعض . ورَغم بَديهية هذا الكلام ، فإنه على قدر كبير من الأهمية في تفسير فشل محاولات الالتزام بالخطط طويلة الأمد ، كممارسة المشي ، واتباع حِمية ، أو الإقلاع عن التدخين . فإذا أغلقت الباب على المرة الأولى ، وسددته بإحكام في وجه بوادر الريح ، فلن تُضطر لمواجهة عاصفة ، ستقلب خطتك رأسا على عقب ، وتصيبك بإحباط قد لا تستطيع معه الاستمرار . قاوم الأولى ، ولن تحتاج للقلق بشأن الثانية والثالثة ، والألف!
لعلي أسمعك تتساءل - كما كنتُ أتساءل – أيعقل أن كل هذا من "مرة فحسب"؟! نعم! كيف ذلك؟ إنك حينما تُدَلِّل نفسك بتلك المرة ، فإنك تحصل على لَذة فورية . وهذه اللذة من القوة بمكان ، بحيث تستثقل النفس العودة "للحرمان" من تلك اللذة الآنية ، في مقابل لذة بعيدة مستقبلية : إنقـــاص الوزن ، أو الإقلاع عن التدخين ... إلخ . ولذلك فإنك حين تتساهل لأجل لذة عابرة في الحــال ، تُغريك نفسك بتَكرارها ، وبــدل أن تكبح ذلك الإغراء مرة ، يصير عليك مقاومة أضعــافه . وهنا مكمن صعوبة الالتزام الكامل بخطة كهذه ، لأنك تقاوم جيشا من الإغراءات العاجلة ، لأجل لذة آجلة . ولكنك لو استحضرت أن تلك الآجلة هي أنفع وأبقى ، وقاومت "هذه المرة" ، فستبلغ مُرادك ، وتسعد سعادة حقيقة بإنجازك .
6. وَقِّت المهام
في المرة القادمة التي تقوم بها بأي عمل ، روتينيا كان أو إحدى الهوايات الخاصة ، وَقِّت ذلك العمل لتحسِب المدة المُستغرَقة لإتمامه . بهذه الطريقة ، ستعرف كم من الوقت يستغرق مثل هكذا عمل في المرة القادمة التي يتوجب عليك فيها إعادته . وكلما عرفت لكل عمل في جدولك مُدَّته ، تسنَّى لك أن تستثمر دقائق يومك بشكل سيذهلك فيه كَمُّ الإنجازات ، التي لم تكن الأربع وعشرين ساعة السابقة لتكفِيَها! وبدل أن تتراكم المهام الصغيرة ، ستجد أن الأوقات البينية في يومك اتسعت ، وتجلت أمامك ، بحيث ليس فقط ستملأ السيارة بالوقود ، وتشتري الحاجيات من السوق ، وتكوي ملابس اليوم التالي ، وتنهي آخر صفحات التقرير المؤجلة منذ أسابيع ، بل وتقرأ عشر صفحات من روايتك المفضلة ، وتستمع لمحاضرة أو تتابع برنامجك على التلفاز ، أو تحادث أقاربك المنسيين!
7. يقولون "اطرق الحديد وهو ساخن" .. فماذا لو برد؟
تأتي على الواحد منا أوقات يدفع فيها نفسه إلى العمل دفعا ، ويتنقل من مكان لمكان كبِطيخة تتدحرج على الأرض في تثاقل! مزاجك متعكر ، وتفضل أن تستلقي أمام التلفاز ، أو تنام على الأريكة ، أو لا تفعل شيئا على الإطلاق! لكنك تَمضي مع هذا ، لعلمك بأنك لو تركت نفسك على هواها ، فـلن تنجز شيئا أبدا ، فضلا عن أن هناك مهاما وأعمالا لا تخضع لحالتك المزاجية . وفي قرارة نفسك ، تنتظر هبوط الهمة والنشاط والحيوية من السماء ، لتعود لسابق عهدك .
ثابر على ما تفعل ، دون أن تجلِد نفسك بتأنيبها على كسلها أو تراخيها ، بل سلّم بأن ما أنت فيه حالة طبيعية ، يمر بها كل منا في حينه . والنتيجة أن الرياح ستأتي أخيرا محملة بما تشتهي سفنك بإذن الله! ولكن انتبه في الوقت الذي تهب فيه رياحك أن تغتنمها ، وأن تستثمر أوقات الفورة والنشاط في المهام الكبيرة المؤجلة . أمـــا الصغيرة الروتينية أو التي لا تتطلب نفس المجهود ، فدعها حين يكبو جوادك!
وحين تطبّق نصائح قهر التسويف – التي سنتحدث عنها لاحقا- وتشرع في الحال ، وتجد أنك انغمست في عملك بانسجام ، فلا تقطع انسجامك هذا ، حتى ولو كنت أنهيت المهمة المحددة ، فتخطاها للتي تليها . استمر في الإنجاز ما شعرت بالطاقة والقدرة والانهماك ، وتوقف حين يداخلك الملل أو التعب أو السرحان . وسبب ذلك أن قطع الاستغراق في عمل – كالدراسة مثلا – وأنت بعدُ قادر على الاستمرار ، سيجعل عودتك إليه أثقل على النفس ، لأنك أرخيتها في وقت لم تكن تحتاج فيه إلى الاسترخاء ، تماما كمن يجبر نفسه على النوم وهو لا يشعر بالنعاس .
8. لا تسابق الزمَن ، وانتبه لحُمَّى الإنجاز!
هل أنتَ على عجلة دائمة من أمرك؟ هل جربتَ أن تضع خطة ليومك ، ثم بدل أن تسعى لاستثمار اليوم ، إذا بك تدخل معه في سباق محموم؟ إن الشعور بضغط الوقت دوما أمر لا يمكن أن تستثمر معه وقتك فعليا ، أو تعيش حياة مسالمة ، أو تنجز بإتقان . فليس هدف الحياة هو أن نعبرها بأسرع وقت ممكن ، وإنما أن نستمتع بعبورها ، ونستفيد ونفيد ما استطعنا . ولن تستطيع مهما خططت أن تشكل الزمن ليلائم خططك ويسير وفق هواك . فمن قال إن الخطة وضعت لهذا؟ إنما الخطة لتحقق أكبر استثمار بأكبر رأس مال يمكن أن تمتلكه . وأذكرك مرة أخرى بأن خير وسيلة للتخفيف من الضغط والتوتر ، هو ألا تحشر أهدافك ، حتى لا تأتي النشاطات التي يفترض أن تساهم في التخفيف من حدة الضغط النفسي وأن تحسن صحتك بمفعول عكسي ، إذا حاولت أن تقوم بها وأنت في عجلة من أمرك .
صحيح أنك تريد أن "تنجز" ، وكلنا يريد ذلك ، لكن الرحلة المقطوعة للوصول للهدف ، هي جزء لا يتجزأ من عملية الإنجاز . وبدل أن تُضطر لعودة أدراجك للوراء ، لأن إحدى المراحل لم تتمْ بإتقان ، سِر متمهلا من البداية ، بغير تكاسل أو استعجال ، وستبهرك النتائج ، وتسعدك الرحلة . وهذا عن تجربة شخصية ، بعد معاناة طويلة مع "حُمَّى الإنجاز" .
لإطالـــة أوقـــاتك : لا تستعجل ، بل عش بهدوء! إنها طريقة أشبه بالسحر للحصول على المزيد من الوقت . بهذه الطريقة ستعيش مِلء كل لحظة من حياتك ، لأنك ستتصالح مع الوقت وتتحكم به ، بدل أن تعيشا في صدام وخصام . فاحرص على تخير وخفض عدد نشاطاتك ، لتستحق الوقت المنفَق عليها ، وتحقق العائد المَرجُوَّ ، والمتعة المنشودة من ورائها. قد تستطيع القيام بأي شيء في أي وقت ، لكن ليس كل شيء في نفس الوقت .
ويكفي أن تتفكر فيما تفعل برَوِيَّة ، حتى تدرك أن أكثر الأعمال التي لا تستحق عناء القيام بها ، هي نفسها التي تُبَدد كل وقتنا! فكثيرا ما نتحجج بضيق الوقت ، في حين أننا نجد ما يكفي من الساعات الطوال أمام شاشات التلفزيون! إن ضيق الوقت ليس هو المشكلة ، وإنما الطريقة التي يُدار بها الوقت . فالأشخاص الأكثر إنتاجا ونشاطا ، هم أولئك الذين يستثمرون وقتهم ، فلا يشحنونه بالأعمال ، ولا يهدرونه باللهو . بل يكتفون بنشاطات معينة ، يتابعونها بإتقان ، دون الشعور بضغط الوقت . يمكنك أن تُمضي وقتك بطريقة ذكية ، تمتعك وترتقي بك ، أو بشكل مستهتر ، يستنزف طاقتك ولا يرفّه عنك .
9. بين واجب الإتقان وفخ الكمال
تخيل أنك تطهو وجبة طعـــام : ينبغي ألا تبالــغ في الطهي ، وكذلك ألا ترفع الطعام من على النار قبل أن ينضَج حتى الدرجة المناسبة . والدرجة المناسبة تعني الحذر من الوقوع في فخ "الكمال" .
إن السعي للإتقان يعني أن تبذل أفضل ما لديك ، في حدود ما يتوافر لديك ، ولا يعني أبدا أن تكلف نفسك فوق طاقتها . والإتقان يختلف عن الكمال ، فالأول واجب في كل عمل تعمله ، كما قـــال المصطفى عليه الصلاة والسلام : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" . وذلك يشمل جوانب الحياة كلها ، بدءا من أداء العبادات ، مرورا بالتعامل مع الناس ، وانتهاء بالأنشطة المختلفة من دراسة وعمل وترفيه .
الإتقان يعني ألا تدخر جهدك "لوقت لاحق" ، لأنك لا تدري إن كنت ستدرك وقتا لاحقا أم لا ، ولا ضمانة لحصولك على فرص ثانية في كل شيء . فالإتقان يعني أن تتعامل مع المهمة التي أنت مكلف بها ، كما لو كانت تلك فرصتك الأولى والأخيرة . إن هذا مبدأ رئيسي لحياة ناجحة ، لأنه يحفظ لك كثيرا من الفرص الفريدة أن تضيع عليك ، لمجرد أنك لم نقدم أفضل ما لديك من المرة الأولى . فإذا اتخذت الإتقان قاعدة في كل ما تفعل ، وجعلتها بصمة أعمالك ، وعنوان شخصيتك ، فلن يضيرك أبدا ألا تحصل على فرصة ثانية ، إن شاء الله تعالى . فإن حدث وأُعطِيت فرصة ثانية ، حينها ستجمع إلى جانب تقديم أفضل ما لديك كما فعلت سابقا ، الاستفادة من تجربة الفرصة الأولى ، وتجنب تَكــــــرار أخطائها . وإن لم تعطاها ، فقد أديت ما عليك ، والله لا يضيع أجر المحسنين .
أما الكمال ، فإنك تدرك مسبقا أنك لن تصل إليه ، لأننا بشر لابد أن نخطئ . والخطأ مناف للكمال ، لكنه لا يناقض الإتقان . فأتقن عملك يخرج في أبهى صورة تبدعها يداك ، ودع عنك التفكير في إنتاج الآخرين ، لأن لكل منا لمستَه الشخصية ، وطريقته الفريدة ، وسِحرَه الخاص .