أحُب الكتابة ولكنِّي لا أكتب خشيةَ اختلاط النوايا وفسادها. فأنا لستُ غافلةً عن رغبتي المُلحة في الظهور والامتياز وترقب نظرات الإعجاب والثناء من الأخرين، ولكن في نفس الوقت أعلمُ أن هذه موهبة قد حباها الله لي وميَّزني بها فلا أريد أن أهدرها هباءً دون تسخيرها في شيء يرضاه الله. هذا صراعٌ قديمٌ بداخلي ولا أدري ماذا أفعل؟ كما أني في حاجة كبيرة الآن لتدعيم إحساس ثقتي بذاتي فأنا في حاجة لأشعر بها وبالكتابة أحقق ذلك ولكن أجدني قد وقعت في فخٍ آخر وجبٍ عميق لا أستطيع الخلاص منه وهو خوفي من شعور الكبر والاعتداد بالنفس والعجب والغرور
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين
,بفتح من الله نقول
عزيزتي ,,
رسالتك فيها ثلاث قضايا ، سأفصّل الحديث لكل منها على حِدَة ليكون أكثر إفادة بعون الله تعالى .
أبدأ معك بقولك الحسن " هذه موهبة قد حباها الله لي وميَّزني بها فلا أريد أن أهدرها هباءً دون تسخيرها في شيء يرضاه الله" ، فأؤكد عليه مضيفة أن ما بنا من نعمة فمن الله تعالى ، بدءا مما نراه مسلّمات (البدن والأعضاء والحواس والعقل ..إلخ) ، ومرورا بما هو جماعي أو مشترك مع آخرين (الأسرة ، الصحة ، العافية ..) ، وختاما بما يظهر فيه تميز لفئة على فئة (المواهب والإمكانات).
وفي كل الأحوال ، تعاملنا مع هذه النعمة أو تلك له قاعدة عامة ذات مستويات ثلاثة ، فالقاعدة العامة هي تقييد النعمة بالشكر" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" [البقرة : 152] و﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾ [سورة النساء: 147] و﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [ سورة البقرة: 172 ] . والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}
وشكر النعمة له مستويات ثلاثة :
1. أن تعرف النعمة ، لأن هناك نعم كثيرة جداً مألوفة كما أسلفنا ، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا ، وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ"
2. أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل فتلهج بحمد الله في قلبك وعلى لسانك ، وتحدث بها "وَأَمّا بنِعْمَة رَبّك فَحَدِّثْ" ، لكن وأنت تثني على الله الثناء الحين ، لأنه الذي تفضل عليك ، وتعترف بإنعامه عليك ولا تنسب الفضل لنفسك فتكون كمن قال "إنما أوتيته على علم عندي" ، مع مراعاة عدم التحديث أمام محروم من النعمة ، كالغني أمام الفقير .
3. أن تؤدي زكاة هذه النعم وحقها ، باستثمارها فيما يرضي منعِمَها ، بعمل صالح ، بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ:13]
هذه قواعد التعامل مع نعم الله تعالى أنّى اختلفت صورتها .
بالنسبة للشق الثاني المتعلق بخوفك من اختلاط النوايا وفسادها
هذه قضية أخرى ليس حلها أن تَغْبُني حق النعمة ولا تؤديه ، فذاك حل هروبي ، ولو اتخذتِه قاعدة فيُخشى أن ينقلب لكفر بالنعم ، إذ كيف نؤدي شكر ما لا نستثمر؟ وكيف نزكي ما لا نعطي؟ وكيف يمتلئ القلب امتنانا صادقا وهو لا يستشعر حقيقة المنة والفضل من الله؟
وهذه القواعد المقترحة للتعامل مع قضية الإخلاص
الدعاء ، والإلحاح في الدعاء بالصيغة المأثورة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام "اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه" ، أو بما يفتح الله على لسانك . ومع تحري أوقات الإجابة ، يفيد أن تكثري ترداد الدعاء على اللسان في كل حين متى ذكرته ، فذلك أرجى أن تصادفي ساعة إجابة يتفضل الله بها عليك ، فيطهر قلبك ويزكيه ليكون هو تعالى قبلته ووجهته .
تحري كتابة ما ينفع حقا ، وترين في كتمانه منعا لخير أو تذكرة قد تصادف موقعا في قلب قارئ كان يحتاجها . أما مشاركة الخواطر التي يكون فيها حديث عن النفس والذات ، فينصح بتأجيلها في هذه المرحلة وبدايات الأمر عليكِ . فليكن همك الأوحد مشاركة الخير بنية التذكير وشكر النعمة ، يستوي في ذلك أكنتِ أنتِ الكاتبة أم كتبها غيرك .
قد يكون من النافع كوقاية أن تتجنبي ذكر اسمك الحقيقي أو نسبة المكتوب إليك ، بأن تكتفي بالكتابة فقط ، أو تكتبي تحت اسم مستعار ، وهدف ذلك كسر حِدّة الذاتية وحظ النفس في الكتابة في البدايات .
فكل تجربة جديدة في بداياتها لها فورة وحماسة قد تطغى على تفكير المرء وتأخذ أكبر من حجمها ، لكن لو تركتها قليلا لهدأت الفقاعة كما في عجينة الخميرة . لذلك من النافع كذلك عدم مشاركة الخاطرة فور كتابتها ، يمكنك تدوينها لك شخصيا لئلا تنسيها ، ثم مشاركتها بعد بضعة أيام . وهذا حل نافع جدا .
ختاما ، احرصي على عدم تتبع الردود والاستحسانات والرد عليها في الحال ، بل أجليها لفترة لاحقة لنفس الهدف السابق . وكذلك اهتمي بالرد على السائلين ، واكتفي بتعليق عام للمستحسنين واستغليه في نسبة الفضل لله تعالى ، من قبيل "نفعنا الله وإياكم بما نعلم وما نتعلم" ، "نسأل الله أن يكونون ممن يفعلون ما يقولون" ..إلخ ، بهذه الطريقة تظل هذه الحقائق راسخة في وجدانك وهي خير واق بعون الرحمن من حظوظ النفس . ولعله من النافع أن تخصصي أوقاتا معينة للكتابة والردود لا تتجاوزينها ، فلا يصير تتبع ردود الأفعال الشغل الشاغل .
وأخيرا فيما يتعلق بخشيتك من أمراض الكبر والغرور ، ففيما سبق ذكره علاجات كافية ، خاصية بدوام التذكير أن الفضل من الله تعالى ولو شاء لرفعه ، وأنه تعالى يختص البعض بمزايا ليكمّل بها غيره من البشر ، الذين اختصهم هم كذلك بمزايا مختلفة ، وتأملي كثيرا في مزايا ومحاسن من حولك من مواهب أو خلق أو رزق لم توهبيه مثلهم ، فتحمدي الله على ما آتاك وتسألينه أن يعينك على شكره ، وأن يزيدك من فضله ما يقويك على طاعته ، وينفعك وينفع بك .
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وجزى الله خيرا من أعان على إجابة هذا السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين
,بفتح من الله نقول
عزيزتي ,,
رسالتك فيها ثلاث قضايا ، سأفصّل الحديث لكل منها على حِدَة ليكون أكثر إفادة بعون الله تعالى .
أبدأ معك بقولك الحسن " هذه موهبة قد حباها الله لي وميَّزني بها فلا أريد أن أهدرها هباءً دون تسخيرها في شيء يرضاه الله" ، فأؤكد عليه مضيفة أن ما بنا من نعمة فمن الله تعالى ، بدءا مما نراه مسلّمات (البدن والأعضاء والحواس والعقل ..إلخ) ، ومرورا بما هو جماعي أو مشترك مع آخرين (الأسرة ، الصحة ، العافية ..) ، وختاما بما يظهر فيه تميز لفئة على فئة (المواهب والإمكانات).
وفي كل الأحوال ، تعاملنا مع هذه النعمة أو تلك له قاعدة عامة ذات مستويات ثلاثة ، فالقاعدة العامة هي تقييد النعمة بالشكر" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ" [البقرة : 152] و﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾ [سورة النساء: 147] و﴿ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ [ سورة البقرة: 172 ] . والشكر لله سبب للمزيد من النعم كما قال سبحانه: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}
وشكر النعمة له مستويات ثلاثة :
1. أن تعرف النعمة ، لأن هناك نعم كثيرة جداً مألوفة كما أسلفنا ، لكن هذه الألفة لهذه النعم ينبغي ألا تجعلنا ننساها . وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ : "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا ، وَسَقَانَا ، وَكَفَانَا ، وَآوَانَا ، فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ"
2. أن يمتلئ القلب امتناناً لله عز وجل فتلهج بحمد الله في قلبك وعلى لسانك ، وتحدث بها "وَأَمّا بنِعْمَة رَبّك فَحَدِّثْ" ، لكن وأنت تثني على الله الثناء الحين ، لأنه الذي تفضل عليك ، وتعترف بإنعامه عليك ولا تنسب الفضل لنفسك فتكون كمن قال "إنما أوتيته على علم عندي" ، مع مراعاة عدم التحديث أمام محروم من النعمة ، كالغني أمام الفقير .
3. أن تؤدي زكاة هذه النعم وحقها ، باستثمارها فيما يرضي منعِمَها ، بعمل صالح ، بخدمة عباده ، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : ﴿ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ:13]
هذه قواعد التعامل مع نعم الله تعالى أنّى اختلفت صورتها .
بالنسبة للشق الثاني المتعلق بخوفك من اختلاط النوايا وفسادها
هذه قضية أخرى ليس حلها أن تَغْبُني حق النعمة ولا تؤديه ، فذاك حل هروبي ، ولو اتخذتِه قاعدة فيُخشى أن ينقلب لكفر بالنعم ، إذ كيف نؤدي شكر ما لا نستثمر؟ وكيف نزكي ما لا نعطي؟ وكيف يمتلئ القلب امتنانا صادقا وهو لا يستشعر حقيقة المنة والفضل من الله؟
وهذه القواعد المقترحة للتعامل مع قضية الإخلاص
الدعاء ، والإلحاح في الدعاء بالصيغة المأثورة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام "اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك شيئا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه" ، أو بما يفتح الله على لسانك . ومع تحري أوقات الإجابة ، يفيد أن تكثري ترداد الدعاء على اللسان في كل حين متى ذكرته ، فذلك أرجى أن تصادفي ساعة إجابة يتفضل الله بها عليك ، فيطهر قلبك ويزكيه ليكون هو تعالى قبلته ووجهته .
تحري كتابة ما ينفع حقا ، وترين في كتمانه منعا لخير أو تذكرة قد تصادف موقعا في قلب قارئ كان يحتاجها . أما مشاركة الخواطر التي يكون فيها حديث عن النفس والذات ، فينصح بتأجيلها في هذه المرحلة وبدايات الأمر عليكِ . فليكن همك الأوحد مشاركة الخير بنية التذكير وشكر النعمة ، يستوي في ذلك أكنتِ أنتِ الكاتبة أم كتبها غيرك .
قد يكون من النافع كوقاية أن تتجنبي ذكر اسمك الحقيقي أو نسبة المكتوب إليك ، بأن تكتفي بالكتابة فقط ، أو تكتبي تحت اسم مستعار ، وهدف ذلك كسر حِدّة الذاتية وحظ النفس في الكتابة في البدايات .
فكل تجربة جديدة في بداياتها لها فورة وحماسة قد تطغى على تفكير المرء وتأخذ أكبر من حجمها ، لكن لو تركتها قليلا لهدأت الفقاعة كما في عجينة الخميرة . لذلك من النافع كذلك عدم مشاركة الخاطرة فور كتابتها ، يمكنك تدوينها لك شخصيا لئلا تنسيها ، ثم مشاركتها بعد بضعة أيام . وهذا حل نافع جدا .
ختاما ، احرصي على عدم تتبع الردود والاستحسانات والرد عليها في الحال ، بل أجليها لفترة لاحقة لنفس الهدف السابق . وكذلك اهتمي بالرد على السائلين ، واكتفي بتعليق عام للمستحسنين واستغليه في نسبة الفضل لله تعالى ، من قبيل "نفعنا الله وإياكم بما نعلم وما نتعلم" ، "نسأل الله أن يكونون ممن يفعلون ما يقولون" ..إلخ ، بهذه الطريقة تظل هذه الحقائق راسخة في وجدانك وهي خير واق بعون الرحمن من حظوظ النفس . ولعله من النافع أن تخصصي أوقاتا معينة للكتابة والردود لا تتجاوزينها ، فلا يصير تتبع ردود الأفعال الشغل الشاغل .
وأخيرا فيما يتعلق بخشيتك من أمراض الكبر والغرور ، ففيما سبق ذكره علاجات كافية ، خاصية بدوام التذكير أن الفضل من الله تعالى ولو شاء لرفعه ، وأنه تعالى يختص البعض بمزايا ليكمّل بها غيره من البشر ، الذين اختصهم هم كذلك بمزايا مختلفة ، وتأملي كثيرا في مزايا ومحاسن من حولك من مواهب أو خلق أو رزق لم توهبيه مثلهم ، فتحمدي الله على ما آتاك وتسألينه أن يعينك على شكره ، وأن يزيدك من فضله ما يقويك على طاعته ، وينفعك وينفع بك .
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله
وجزى الله خيرا من أعان على إجابة هذا السؤال